نشأت الديهي من فوق برج الجزيرة

30 يونيو 2022

(مروان قصاب باشي)

+ الخط -

 

أستمتع كثيراً ببجاحة آراء المذيع نشأت الديهي، وأسأل نفسي: هل السلطة الحاكمة في مصر تدفع أمثاله إلى هذه الآراء دفعاً، أم أنّ السيد الديهي يتطوّع، سنواتٍ، بهذه الفجاجة المفرطة والبجاحة الفكرية، كي يظل في طي حجر السلطة حتى آخر نفس يتنعّم بالمزايا والمناصب؟
الأكثر غرابة أنّ السيد نشأت الديهي يزداد قرباً من السلطة كلما زادت تخريفاته من فجاجتها، وقد يتبقى له سنة أو أكثر كي يكون حكيماً في مجلس الشورى المقبل، بجوار محمود مسلم والصحافي عماد الدين حسين، عوضاً عن فقدان المجلس حكيماً راحلاً، محمود الكردوسي رحمه الله. جديد آراء الديهي، عن المنتحر من فوق برج الجزيرة وآخرين، أنّ السبب المباشر ما حدث في مصر بين 2011، سنة الثورة، و2013، سنة حكم الراحل محمد مرسي الوحيدة، والتي انتهت من ثماني سنوات، حدثت فيها أحداث مهولة، وجاءت بعدها ديون على قلب مصر تغطّي ماء محيطيْن، من جديدها كورونا والحرب الأوكرانية، لكنّ الديهي لا يرى سبباً لانتحار شباب في مصر من فوق الأبراج والكباري وبالمسدسات والقتل أمام بوابات الجامعة سوى سنتي 2011 و2013، وكأنّ ما حدث قبلهما لا شيء، وما بعدهما كان كلّ الخير.
وإذا، فرضاً، قلت له إنّ ثمن أنبوبة البوتاغاز في سنة 2013 كان ثمانية جنيهات، يقول لك: وهل نسيت غاز حقل ظهر؟ وإذا قلت له إنّ ثمن الغاز ارتفع ما يوازي سبعة أضعاف الثمن خلال "سنوات الخير الثماني على يد يوسف بعد 2013"، رد عليك هائجاً: وهل نسيت الأمن والأمان؟ ولا يُنكره إلّا الجاحد الفوضوي أمثالكم. أما لو تناولت، ولو من بعيد، سدّ النهضة، فعند ذلك يبدأ بالتهم، وأقلها التمويل الأجنبي، وأكبرها خيانة الوطن في مرحلة فارقة. أما لو قلت له إنّ ظاهرة الانتحار بهذا القدر من القسوة على الذات (ذات المنتحر) رسالة إلى السلطة، فعندئذ يجرّد باقي أسلحته وسهامه، مستعيناً بالصحافي عماد الدين حسين ومحمود مسلم وآخرين. ولا مانع من وجود استراتيجي هادئ النبرة، مثل دكتور عبد المنعم سعيد محللاً. وكلّهم على اتفاق تام، في نهاية البرنامج، بأنّنا في وضع حساس واستثنائي، ولا بد من الوقوف جنباً إلى جنب، لكي نعبر الأزمة حفاظاً على وطن ليس لنا سواه، ومن يريد أن يعرف ما يجب فعله يجب أن يلتفت ويتأمل أحوال جيراننا في سورية وليبيا. أما إذا عدت إلى مسألة سد النهضة، فسوف يردّ عليك أنّ كلّ الأوراق يجب أن تكون غير معلنة، ونحن في ظل سلطة تعرف جيداً الأولويات أمام الأزمات.
وإذا قلت له إنّ المحنة المستنصرية كانت قبل سنة 2011 وقبل 2013 أيضاً، وكانت هناك أزمات وحروب وثورات كاليمن والاستنزاف وثورة 1919 وثورة 1952 إلخ وحرب 1948 وحرب أكتوبر ومقتل بطرس غالي وفهمي النقراشي ورفعت المحجوب، وإنّ لكلّ سنوات التاريخ أزماتها، وإنّ التاريخ لم يقف عند سنتي 2011 و 2022 وإنّ "ثماني سنوات عجاف مرّت" وقد صار ثمن أنبوبة البوتاغاز 80 جنيهاً، وإنّ غرامة الكمّامة 50 جنيهاً، وغرامة الملصق الإلكتروني للموتوسيكل 750، وإنّ زجاجة الزيت يلزمها أن تشتري من أجلها خطاً تلفونياً كي تحافظ عليها مع كيلو السكر، رغم أنّ عبد الناصر حارب حروبه كلها، وكان التموين يصرف للفقير ومتوسط الحال، ويتم تعيين أولاده وبناته فور تخرّجهم، وأنا، للأمانة، لا أحب عبد الناصر ولا نظامه، رغم أنّني ابن فقراء قح، ولم يفكر عبد الناصر، رغم ذلك كله، أن يلطع الفقراء كي ينولوا زجاجة السكر والزيت بهذا الشكل المهين...
إذا قلت كلّ ذلك، هنا قد يتلكأ نشأت الديهي في الرد، ويستعين بالصحافي عماد الدين حسين، كي يفكّ اللغز، ولا مانع من وجود الإعلامي عمرو عبد الحميد، فيضعه في غمار المشكلة، مستعيناً بخبرته الروسية العريضة وتجربته المهمة جداً مع جمال مبارك في "لجنة السياسات"، وقد يستعين أيضاً في فك اللغز بالمحلل الاستراتيجي الدكتور عبد المنعم السعيد. وحينما يتطرق السؤال المحرج إلى عدد المنتحرين خلال يوم، يضرب الديهي كفّاً بكفّ، ويميل إلى كوب النيسكافيه، لأخذ رشفة طويلة ثم يتساءل: "ماذا جرى للمصريين يا أولاد؟". حينئذ يرد عليه من بعيد الدكتور مبروك عطية: "السبب هو اللبس الضيق والشعر الذي يهفهف كالحرير وعلى الخدود يطير". حينئذ يتعارك السيد نشأت الديهي على الهواء مباشرة في غيبة الشيخ مبروك عطية، ويتهمه بالداعشي. وفي المساء تجد الشيخ مبروك عطية، بكامل هندامه والورد الأحمر، في ضيافة الإعلامي شريف عامر، فإذا بك تقول: هل من المستغرب، بعد تضافر هذا المشهد الكوميدي كلّه، أن ينتحر شاب متفوق وابن ناس من فوق برج الجزيرة من دون أن يلقي به "الإخوان" بالسحر الأسود من فوق قمة البرج؟ فمن الواضح أنّ من يدير برج الجزيرة رأساً هم الإخوان.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري