نحو سباقٍ رئاسيٍّ في تونس بدون منافسين
الأرقام في المجال الاقتصادي أشبه بمقياس الحرارة الذي يكشف ما إذا كان الجسم سليماً أو مصابا. وفي الأيام الأخيرة، كشف المعهد الوطني للإحصاء عن نسبة النمو التي سجّلت في تونس خلال السنة المنقضية 2023 فتبين أنها في حدود 0,4%. أي أن الحالة الاقتصادية والمالية عادت إلى ما كانت عليه خلال جائحة كوفيد، فنسق النمو السنوي للاقتصاد التونسي تراجع للمرّة الرابعة بنسبة بلغت 3,4%. ويتعلق الرقم الثاني المثير بنسبة البطالة التي ارتفعت في تونس لتبلغ 16,4% بعد أن كانت مستقرّة في حدود 15%. لا يقلّ الرقم الثالث أهمية، حيث أعلنت جمعية أنا يقظ، وتمثّل منظمّة الشفافية الدولية، أن مؤشّر مدركات الفساد جعل رتبة تونس تتراجع بدرجتين. أصبحت تحتل المرتبة 87 بعد أن كانت مدرجةً في رتبة 85 عالميا. وذلك بالرغم من الجهود التي بذلتها السلطة لمحاربة الفساد والفاسدين.
تحاول أطراف المعارضة استثمار هذه المؤشّرات السلبية لتبرز حجم المشكلات القائمة في البلاد، في محاولة منها إحراج الرئيس قيس سعيّد، وإقناع المواطنين بأنه غير قادر على معالجة الأزمة الاقتصادية التي تطحن البلاد طحنا. يحصل ذلك في سنةٍ تعتبر انتخابية بامتياز.
في المقابل، ردّت رئاسة الحكومة بعرض المؤشّرات الإيجابية، مثل تماسك الدينار وارتفاع احتياط العملة الذي قفز من 96 إلى 105 أيام. وبالنسبة للرئيس سعيّد، هو لا يعبأ بتشكيك المعارضين به، فالطريق واضحة عنده، وسيواصل السير فيها مطمئنّا لشعبيّته التي، وإن تراجعت قليلا، إلا أنه لا يزال في طليعة المرشّحين للفوز بولاية جديدة حسب استطلاعات الرأي التي انتظمت أخيراً، كما أنه كثير التنقّل بين المحافظات للاتصال بالمواطنين، وهو ما اعتبره منافسون شروع الرئيس في حملة انتخابية سابقة لأوانها.
بالنسبة للمعارضة، لا تزال منقسمة ومتردّدة، لم تحسم أمرها، ولم تكتشف بعد الوسائل الفاعلة والمؤثّرة في الرأي العام. كما أن الأحزاب لم تُفصح عن نيّتها في ترشيح أحد كوادرها لمنافسة الرئيس سعيّد خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهل سيكون لها مرشّح وحيد أم ستتجه نحو فتح الباب أمام مرشّحين متعدّدين، رغم علمها بأن ذلك الاختيار لن يكون في صالح المعارضة، فزعيم حزب العمّال حمة الهمامي طالب بمقاطعة الانتخابات، ووصفها بـ "المهزلة الانتخابية الجديدة" بحجّة أنها "لن تتوفر فيها أدنى الشروط القانونية".
من جهة أخرى، هناك معارضون لقيس سعيّد متمسّكون بضرورة الترشّح، لكنهم متخوّفون من احتمال رفع قضايا ضدهم كما حصل لسياسيين آخرين. آخر هؤلاء الوزير السابق في حكومة الرئيس بن علي، منذر الزنايدي، الذي ما أن فهم منه احتمال الترشّح حتى دعي للمثول أمام القضاء بتهمة تعود إلى سنواتٍ خلت سابقة للثورة التونسية. وهو ما دفعه إلى كتابة تدوينة دعا فيها الرئيس إلى أن يكون "متسامحا وضامنا للوحدة الوطنية... وأن يقبل بالرأي الآخر". كما أكّد على ضرورة أن تكون الانتخابات المقبلة "فرصة حقيقية للإقلاع الاقتصادي وإعادة البناء". ورغم أنه فشل فشلا ذريعا في الانتخابات الرئاسية أخيراً لسنة 2019، إلا أنه يحظى بثقة تونسيين كثيرين.
وأعلن الدكتور لطفي المرايحي عزمه الترشّح، فإذا به يُدعى من جهة قضائية إلى التحقيق معه في قضية مرفوعة ضده. لهذا السبب، طالب منسق ائتلاف صمود بتعديل التشريعات الماسّة بالحريات مثل المرسوم 54 للمشاركة في انتخابات شفافة. كما دعا هيئة الانتخابات إلى سحب كل الشكاوى التي رفعتها ضد المترشّحين للرئاسيات. وهي الهيئة التي عيّنها الرئيس سعيّد، وسبق لها أن تقدّمت بقضايا ضد عدة سياسيين، وغيرهم لأسباب متعدّدة، وحصلت على أحكام لصالحها.
مهما كانت الاحتمالات، فالواضح أن قيس سعيّد يعتقد، في قرارة نفسه، أن مهمّته على رأس الدولة لم تنته بعد. لا يزال له أهداف أبعد يعمل على تحقيقها، ومنها القضاء على السياسيين الذين حكموا بعد الثورة.