نحو تصعيد النضال الفلسطيني اللاعنفي
يعتقد بعضهم أنّ لتصرفات إسرائيلية أخيراً علاقة مباشرة مع انتخابات الكنيست المقرّرة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وقد يكون هذا جزئياً صحيحاً، لكنّ المشكلة أعمق وأوسع من ذلك. يتعلق الأمر بالنقد الناجح عالمياً للرواية الإسرائيلية، والتي لا تعترف في أساسها بوجود الشعب الفلسطيني، وترى أنّ كلّ أشكال المقاومة مستوحاة من إرهاب، ورفض لوجود إسرائيل ومعاداة لليهود (تحت مسمّى معاداة السامية).
جاء الهجوم، أخيراً، على مقار مؤسسات حقوقية فلسطينية اعتبرتها إسرائيل، من دون أي سند قانوني، إرهابية، ضمن هذا الهوس الإسرائيلي لكل شكلٍ من المقاومة السلمية الفلسطينية، ويشمل هذا الهجوم الإعلام وكل من يوثق مخالفات إسرائيل الحقوقية ومقاطعة إسرائيل وإعلان أنها تمارس جريمة الأبارتهايد (التمييز العنصري). وبالنسبة لإسرائيل، لا مكان لمؤسسات حقوق إنسان يديرها فلسطينيون وعرب (تذكّروا طرد عمر شاكير مدير "هيومن رايتس ووتش") لأنّها أعمال إرهابية ضد دولة القانون والديمقراطية. وتأكيداً على هذا الهوس، بعدما اقتحمت إسرائيل مناطق أ في وسط رام الله، وبعدما كسرت أبواب كنيسة، وبقي الجنود في مجمعها ساعاتٍ في صبيحة الخميس 18 أغسطس/ آب، وبعدما سرق أفرادٌ من الجيش الإسرائيلي حواسيب ومعدات لتلك المؤسسات الحقوقية، وتم لحم أبوابها مغلقة، ترك المحتلون ورقة تحاول أن تبرّر ما قامت به أنّه جرى بصورة قانونية؟
قيام إسرائيل واستمرارها بدعم سياسي ومالي من الغرب مربوطان بادّعائها أنها دولة ديمقراطية مسالمة
لم تمرّ عدة ساعات على هذه الجريمة، حتى وصل الشبّان الفلسطينيون من هذه المؤسسات إلى مقارها، وفتحوها، لأنّها مؤسساتٌ وطنية مهنية، وليست إرهابية. وتلت ذلك زيارة رئيس الوزراء، محمد اشتيه، الذي أكد أنّ فتح مقارّ أو إغلاقها من صلاحيات حكومته (رغم أنّ قوات الأمن الفلسطينية لم تتدخل لوقف الاقتحام في مناطق تحت سيطرتها). وتلت ذلك زيارة 17 ممثلاً دبلوماسياً لبعثات دولية استنكروا جميعهم ما حدث. وأصدرت مطرانية القدس للكنيسة الأسقفية العربية بياناً شديد اللهجة، طالبت فيه بتحقيق مستقلّ ومحاسبة من كان مسؤولاً عن تلك الجرائم، ومنها التدخل في حرية العبادة.
وكان الاتحاد الأوروبي، وجهات دولية أخرى، تدعم المؤسسات الفلسطينية الحقوقية قد قرّرت الاستمرار في دعم تلك المؤسسات، بعدما فشلت حكومة الاحتلال في توفير أي دليلٍ قانوني واضح لتبرير اعتبارها مؤسّسات إرهابية. ويلزم التأكيد هنا أن قيام إسرائيل واستمرارها بدعم سياسي ومالي من الغرب مربوطان بادّعائها أنها دولة ديمقراطية مسالمة، سكانها هاربون من عذاب الهولوكوست، وأن استمرار الاحتلال سببه فقط وجود ما تسميه إسرائيل إرهابا، وسبب غياب السلام عدم وجود شريك سلام فلسطيني، وأن إسرائيل تدافع عن حقها في الوجود والمهدّد من العرب وإيران؟
البلبلة التي تتخوف منها إسرائيل كشفت مرآتهم ونزعت قناع ادّعاء أن جيشها أكثر جيش أخلاقي في العالم
الشواهد على حرب إسرائيل ضد كلّ نشاط فلسطيني غير عنيف ليس جديداً، فقد أبعدت حكومة إسحق شامير، عشية الانتفاضة الأولى، في العام 1987، الناشط الفلسطيني مبارك عوض من مؤسسة المركز الفلسطيني لدراسات اللاعنف. كما ترفض إسرائيل الاعتراف أو توفير بطاقة صحافة لأي صحافي فلسطيني (سوى من يعمل في صحف دولية)، وجرى تلفيق تهمة ضد الناشط الإنساني محمد الحلبي، (من دون أي إثبات) بأنه حول مخصّصات مؤسسة دولية لصالح حركة حماس. وذلك عدا عن الحملة ضد حركة مقاطعة إسرائيل، وتحديد دخول الأجانب للعمل في المناطق الفلسطينية.
وقد يكون تبرير سلطات الاحتلال عدم إجراء تحقيق في استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة على يد جنود إسرائيليين أكبر دليل على تخوّف إسرائيل من انكشاف لعبتهم المزدوجة، فقد أعلنت أن التحقيق قد يُحدث بلبلة في الجيش والمجتمع الإسرائيليين. من الواضح أنّ البلبلة التي تتخوف منها إسرائيل كشفت مرآتهم ونزعت قناع ادّعاء أن جيشها أكثر جيش أخلاقي في العالم، وأنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، وأن استمرار الاحتلال يتم فقط بسبب إرهاب الفلسطينيين؟
جاء الوقت لتصعيد عمليات الكشف عن الزيف الإسرائيلي من خلال دعم المقاومة الشعبية بكل أشكالها وأساليبها، لأنّ النضال غير العنفي كما نرى في وقفات الأسرى بإضرابهم عن الطعام هو الذي سيكون القادر على إنهاء الكذبة التي تحاول إسرائيل ترويجها للعالم الذي لم يعد مقتنعاً بها.