مهرجان تلميع نتنياهو
للمرة الرابعة خلال 15 عاماً، يحتل رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منصّة الكونغرس الأميركي بغرفتيه (النواب والشيوخ)، ليُستقبَل بحفاوة غير مسبوقة لأي زعيم وقف على منبر المجلس التشريعي الأميركي. في عام 2015، كان الاستقبال مماثلاً، حينما جاء إلى الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، للاعتراض على الاتفاق النووي الذي أبرمته الإدارة الأميركية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن الأمر في هذه المرّة مختلف، فنتنياهو يخطب في المشرّعين الأميركيين، وهو متّهم بشكل رسمي بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزّة، وهو يعاني من فقدان شعبيّته في الداخل الإسرائيلي، وسط تصاعد المطالبات برحيله من رئاسة الوزراء بعد فشله في إطلاق سراح المحتجزين لدى حركة حماس، أو تحقيق الأهداف التي وضعها للعدوان على قطاع غزّة.
لكن هذا لم يؤثر بالمشهد في الكونغرس الأميركي، الذي بدا كأنه ”مهرجانٌ“ لتلميع رئيس الحكومة الإسرائيلية، ودعمه محلياً، غير أن هذا المهرجان ليس حقيقياً في المطلق، واستُعين بكومبارس لإخراجه بالصورة التي ظهر فيها لجهة التصفيق المتواصل الذي حظي به نتنياهو من الحاضرين، الذين لم يكونوا كلهم أعضاءً في مجلسي النواب أو الشيوخ. وبحسب المتداول أميركياً، فإن نحو مائة من أصل 212 عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب، و27 من أصل 51 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ والمستقلين فقط كانوا في القاعة لحضور الخطاب، فيما تركّز الحشد على النواب والشيوخ الجمهوريين الذين يصرّون على دعم نتنياهو. حتى إن النائبة الديمقراطية، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، شدّدت على أن نتنياهو كان ”يخاطب حفنة فقط من أعضاء الكونغرس“، وأن القاعة مُلئت ”بأناسٍ ليسوا أعضاءً، كما يحصل في احتفالات توزيع الجوائز، من أجل إظهار الحضور الكامل والدعم“.
استغلّ نتنياهو هذا المشهد المركّب ليعتلي منصة الكونغرس الأميركي، ويتلو مجموعة واسعة من الأكاذيب التي سارعت الصحف والمواقع الغربية إلى دحضها، سواء لجهة عدد الشهداء الذين سقطوا جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية، أو حرب الجميع التي تشنّها إسرائيل على أكثر من مليون فلسطيني نازح في القطاع، أو المفاوضات مع حركة حماس على إطلاق سراح المحتجزين. لكن هذا التفنيد للأكاذيب لا يلغي فكرة أن نتنياهو استفاد من الالتفاف الأميركي عموماً، والجمهوري خصوصاً، حول روايته المزعومة للعدوان، ليحسّن، على الأقل، صورته في الداخل الإسرائيلي، باعتباره لا يزال ”زعيماً“ يحظى بدعم أميركي، رغم أن الخلافات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والإدارة الديمقراطية لا تزال كبيرة، لكن من الواضح أنه يعوّل بشكل شبه علني على وصول المرشّح الجمهوري، دونالد ترامب، إلى الرئاسة الأميركية في الأشهر المقبلة، وبالتالي فتح صفحة جديدة من الدعم المطلق من واشنطن لإسرائيل واعتداءاتها.
ويمكن النظر إلى أن أولى نتائج هذا ”التلميع“ الأميركي لنتنياهو، عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى التسويف والمماطلة في إبرام صفقة مع ”حماس“ لإطلاق سراح المحتجزين والتوصل إلى وقف لإطلاق النار. فقد كان من المقرّر إن يصل وفد من دولة الاحتلال أمس إلى الدوحة لاستكمال المفاوضات، إلا أن الزيارة أرجئت ”مبدئياً“ إلى الأسبوع المقبل، بانتظار نتائج زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن. ومن الواضح، من المشهد السابق في الكونغرس، أن هذه النتائج لن تصبّ مؤقتاً في صالح إبرام الصفقة، إذ سيعود نتنياهو إلى وضع الشروط التي تمنع التوصل إلى اتفاق، تماماً كما فعل في المحاولات الكثيرة الماضية.
حفلة ”التلميع“ هذه لنتنياهو، وإن نجحت نسبياً في الولايات المتحدة، بعد إدخال ممثلين مساندين إلى مشهد الكونغرس، إلا أنها لا يمكن أن تتكرر في أي مكان في العالم. فرئيس الوزراء الاسرائيلي، أو أي مسؤول آخر في دولة الاحتلال، يمكنه أن يحتمي بالدعم اليميني الأميركي، وهو الأمر غير المتاح إطلاقاً في أي دولة غربية أخرى، حيث باتت أصوات مناهضة لإسرائيل أعلى بكثير من أن يسكتها أي ”مهرجان مفبرك“ يثبت العكس.