"الإسناد" وحسابات حزب الله
دخل عدوان "سهام الشمال" الإسرائيلي على لبنان يومه الخامس، ولا يبدو أن هناك أفقاً واضحاً لموعد انتهائه، وما يترافق معه من مجازر تضاهي ما اقترفته قوات الاحتلال في عدوانها المتواصل على قطاع غزّة. أكثر من 600 شهيد وآلاف الجرحى ومئات آلاف النازحين في أيام قليلة، وهو ما يفوق بأضعاف معدل الضحايا الذين سقطوا في عدوان تموز (2006)، والذي استمر 33 يوماً وأوقع 1300 شهيد.
من الواضح أن لا رادع للإجرام الإسرائيلي، سواء في قطاع غزّة والآن في لبنان، فالدعوات الغربية إلى وقف إطلاق النار حالياً في لبنان تأتي خجولة مع تأكيد "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها" دائماً، وهو ما يعطي رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، دفعات إضافية لمواصلة كل أشكال الاعتداءات بحقّ المدنيين وغير المدنيين. ويبدو أن نتنياهو سيمضي مجدّداً في مسار "الخديعة التفاوضية" التي مارسها في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزّة، لإظهار "انفتاحٍ" على التهدئة، لكن في الوقت نفسه مواصلة العمليات العسكرية.
لا تختلف المبادرة التي يجري الحديث عنها اليوم لوقف العملية الإسرائيلية في لبنان في سياقها عن كل ما قدّم من أجل وقف العدوان على قطاع غزّة، والذي تعطّل بفعل شروط نتنياهو التعجيزية، والتي يضعها للاستمرار في العدوان. يبدو الأمر نفسه أنه سيطبّق في لبنان، فرغم نفي نتنياهو خلال الساعات الماضية موافقته على المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا، إلا أن معلوماتٍ كثيرةً تحدّثت عن ضوء أخضر من رئيس حكومة الاحتلال للتفاوض تحت شرط أساسي، وهو "إبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني". مثل هذا الشرط، والذي يعني عملياً فك ارتباط جبهتي لبنان وغزّة، كفيلٌ بإفشال المفاوضات قبل بدايتها، خصوصاً أنه يترافق مع التأكيد الإسرائيلي أن المفاوضات، في حال حدوثها، ستكون تحت النار، أي أن لا وقف للعدوان قبل القبول بالشروط الإسرائيلية، والتي توازي "استسلام" حزب الله.
اللافت حالياً رد فعل حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية، والذي لا يتساوى مع حجم الإجرام الممارس ضد اللبنانيين، فالتقديرات كانت تفيد سابقاً بأن الحزب، في أي حربٍ مع إسرائيل، سيكون قادراً على إطلاق خمسة آلاف صاروخ يومياً باتجاه إسرائيل، كذلك فإن الخطابات السابقة للأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، كانت تؤكّد أن الحزب يمتلك مفاجآت، منها أسلحة مضادّة للطائرات، إلا أننا لم نشهد مثل هذا الزخم في القصف من الحزب، ولا دخول هذه الأسلحة إلى ساحة المعارك.
يرجع امتناع الحزب عن الدخول بقوة حالياً إلى ساحة المعركة إلى سببين: الأول، حاجته إلى إعادة تنظيم هيكليته بعد الاغتيالات الكثيرة التي طاولت قيادات من الصف الأول فيه، إضافة إلى الضربات التي تلقّتها منظومة صواريخه، والتي لم تنهها، فالأكيد أن هناك أسلحة استراتيجية جاهزة للاستخدام، لكن وقتها لم يحن بعد. هنا يأتي السبب الثاني والأهم، أن حزب الله لا يريد الدخول في حربٍ واسعة، ولا يزال يأمل في أن تفلح الجهود الدبلوماسية في وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية. وهو أيضاً يصرّ على أنه "جبهة إسناد"، وهذا ما أكده نصرالله أكثر من مرّة في خطابه الأسبوع الماضي، ويتعامل وفق قواعد الاشتباك التي رسمها لنفسه منذ فتح الجبهة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فغالبية ضربات الحزب تستهدف قوات عسكرية، فيما استهداف مناطق المدنيين يأتي بعد ضرب إسرائيل للمدنيين.
لم تعد هذه القواعد صالحة في الوضع الحالي، فجبهة لبنان منذ بداية الأسبوع، وحتى من قبله، لم تعد "جبهة إسناد"، بل باتت الجبهة الأساسية في الحرب الإسرائيلية، وهي التي تحتاج اليوم إلى "إسناد". وحسابات الحزب في ردوده اليوم على الاعتداءات الإسرائيلية تفتح المجال لنتنياهو لتوسيع الضربات، طالما أنها تحصل من دون "عقاب".