من يخاف.. الكِتاب؟
لا أحد يدري بالتحديد كم يطبع العالم العربي من كتبٍ في العام، وهناك الكتب الأدبية من رواية وشعر وقصة قصيرة ودراسات نقدية وترجمات عن مختلف اللغات، كما أنّ هناك الكتب الفلسفية والعلمية المتخصّصة في مختلف الفروع والمجالات والفنون على أشكالها. هذا كله، ونحن لا نعرف بالضبط ما الذي يُطبع وما الذي يُقرأ، وقد لا تكون الأسباب غامضةً أو خفيّةً إذا ما تذكّرنا احتضار الصحافة الثقافية أخيرا في العالم العربي، والاختفاء التدريجي للمجلات والملاحق الأدبية، ناهيك عن تسطيح ما تبقّى ونزع ذاك الذي ما زال منها على قيد الحياة. حتى ليصحّ السؤال: كيف تراها تفعل "الجماهير" التي ليست من الوسط، وليست على علاقة به من قريب أو بعيد، لتعرف مثلا أن فلانا أصدر كتابا، أو أن موضوعا معيّنا جرى التطرّق إليه وتناوله في هذا الباب أو تحت ذاك العنوان. والحال، لولا الأخبار التي تطالعنا على صفحات تويتر وفيسبوك اللذين يحصراننا بعدد من "الصداقات" أو بنوعيةٍ معينةٍ منها، نحن لا نعرف أين نتوجّه لنصير نعرف. أما بالنسبة لمن هم في "الجو" كما يقال، فهم، على الرغم من "صلاتهم" الثقافية والأدبية، إذا صحّ التعبير، يفاجأون، في أحيان كثيرة، أن كتبا كثيرة قد فاتهم صدورُها، وهذا ليس نتيجة تقصير، بقدر ما هو حصيلة إهمال وتعمية وسياسة دفن رؤوس في الرمال.
في ما عدا معارض الكتب، حيث تُخرج دورُ النشر جديدَها إلى النور، والجوائز الأدبية التي تتحفنا كل فترة بعدد قليل من كتب "مختارة" تتشكّل منها القوائم الطويلة، وبعض مجلات إلكترونية لا تساعد دوما في تمييز الغثّ من السمين، لسنا نجد دار نشر عربية تخصّص ميزانية محدّدة لتسويق إصداراتها، أو وزارة ثقافة عربية تمتلك سياسة وموازنة لتعزيز الكتاب وترويجه، كما أننا لا نصادف برنامجا تلفزيونيا أو إذاعيا واحدا يتعاطى مع الكتب ويتيح لها إمكانية الوصول إلى الناس. في الماضي، كانت الحجّة أن الجماهير العربية لا تقرأ. لكن، اليوم، ومع ما نعرفه على الأقل عن رواج الرواية كنوع، المترجمة منها والعربية، ألا يبدو مستغربا أن تستمرّ الحال على ما كانت عليه، وكأن شيئا لم يجرٍ أو يتطوّر أو يستجدّ؟
في العالم الغربي، على سبيل المثال، لا تنتظر الثقافةُ القارئَ أن يأتي إليها، وإنما هي التي تبحث عنه وتطرُق بابه وتدعوه. فهي "تطارده" أينما توجّه وحلّ، في أروقة المترو، على واجهات الباصات، في الطرقات، تطلّ عليه عبر أقنية التلفزيون ومحطات الإذاعة، وهي إن قصّرت وتلكّأت، وهذا ما يجري للأسف حاليا في عدد كبير منها، تراها تعوّض بتخصيص برنامج على الأقل، يتناول الكتبَ ليعرف بصدورها من يطلب أن يعرف، ومتى شاء. لذا، وبعد كل ما قيل ويقال عن "زمن الرواية" ورواجها نوعا أدبيا في العالم العربي، ألا يفرض سؤال بديهي ذاته: لمَ يا ترى لم تُخصّص قناةٌ عربية واحدة، إلى الآن، برنامجا أدبيا يعنى بالكتب والكتّاب؟
***
أذكر نقاشا لي مع صديقة كاتبة التقيتها في أحد معارض الكتب منذ أعوام، بحضور ناشرتنا المشتركة التي لُمتها على عدم اهتمامها بترويج إصداراتها، ومن ضمنها كتابي الأخير. فما كان من الصديقة إلا أن انبرت دفاعا عنها، موجّهة اللوم إليّ: أنت المذنبة، قالت لي، هذي مسؤوليتك أنتِ، أن تهدي كتبك إلى النقّاد، أن تتواصلي معهم، أن توجدي في الأمكنة التي يوجد فيها المثقّفون، أن تحضري معارض الكتب وتلبّي الدعوات إلى المؤتمرات الأدبية، وأن تتحرّكي لتتمّ دعوتك إليها أكبر عدد من المرّات.. كلُّ ما نصحتني به الصديقة الكاتبة بات من صلب مهمّة الكاتب اليوم، لأن الموهبة والكتابة على ما يبدو ما عادتا تكفيان. أمَا مَن هم من "معوّقي" هذا الزمن ومن فاقدي ملكة التواصل وأصول الترويج، فرُبّ لهم عوض عند الله.