من الأرشيف الفلسطيني لنظام الأسد
أنّ نظام الأسد في سورية قوميٌّ عربيٌّ هذا صحيح، والشاهد أن سجونَه ازدحمت بالفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، كان منهم الأردنيان البعثيان ضافي الجمعاني أكثر من عقدين وحكم الفايز أكثر من عقد، والماركسي الفلسطيني الأردني، سلامة كيلة، ثمانية أعوام، وجولاتُه مشهودةٌ في غير مخيّم وناحيةٍ في سورية نفسها، وفي لبنان، بقذائفه العمياء التي استهدف فيها فلسطينيين ولبنانيين، إمّا لأنه لم يستمزج وجودهم خارج إبطيْه، أو لأنهم وُجدوا في مرماه، مات منهم من لم يحظوا بتعدادٍ موثّق. وتالياً، أزهق أرواح أكثر من أربعة آلاف فلسطيني، ببسالته المعهودة في غضون المقتلة التي يُزاولها منذ أول هتافٍ حانقٍ ضدّه في درعا قبل 11 عاماً، في دمشق وأريافها وفي حمص وحلب ودرعا. والقول عند العارفين إنه يستضيف حالياً نحو 1800 فلسطيني في زنازينه أحياء، بعد قتل 620 تحت التعذيب فيها. ومن نوازل النظام المشهودة، ذات الخسّة الفائضة، مجزرة حاجز علي الوحش جنوب دمشق، لمّا أحكمت قواتٌ له حصار مخيم اليرموك وبلداتٍ مجاورةٍ كانت تحت سيطرة مسلّحين معارضين، ومنعَ دخول الأغذية والأدوية، ثم لمّا أبلغ "لجان مصالحة" سماحَه بعبور المدنيين، كان يحشد مليشياته وعناصره (بينهم عراقيون ولبنانيون مذهبيون طائفيون)، صدّق الغلابة هناك كذبَه، فخرج بعض الأهالي، وهم سوريون وفلسطينيون (والعكس صحيح)، اقتاد شبّاناً ورجالاً إلى الخطف والاعتقال والإخفاء، وأقدم على عمليات تصفيةٍ ميدانيةٍ، واقترف زعرانٌ منه جرائم اغتصابٍ قذرة. وجاء حديثٌ على سقوط نحو 1500 في المذبحة. وقال ناجٍ جرى اعتقالُه إن ضحايا عديدين قضوا في التعذيب في مسلخٍ بشريٍّ أُخذوا إليه.
لا يُؤتى هنا على بعض هذا الأرشيف الدامي لنظام الأسد، الأب والابن الوريث، تمييزاً للفلسطينيين، ممن يذيقهم هذا النظام المرارات في كنفه، عن إخوتهم السوريين، وإنما هو إشهار ناشطين في مواقع التواصل أسماء ضحايا فلسطينيين أجهز عليهم مجرمو مذبحة حي التضامن (المتاخم لمخيم اليرموك، أو الملحق به) أجاز أن تكون هذه السطور لتذكير قرّائها بالبديهيّة التي لا يحسن أن تغمض عنها أي عين، وموجزها أن للشعب الفلسطيني عدوّين، إسرائيل ونظام القتل الحاكم في سورية، منذ امتنع وزير الدفاع، وكان اسمه حافظ الأسد، في 1970، عن تنفيذ أمر رؤسائه تأمين غطاءٍ جويٍّ لألويةٍ سوريّةٍ قصدت نصرة الفدائيين الفلسطينيين في الأردن، مروراً بمذبحة مخيم تل الزعتر في لبنان 1976، عبوراً إلى حروب بلا عدد ضد المقاومة الفلسطينية، بتهمة العرفاتية والاستسلامية، ودمشق ليست فندقاً، بحسب ما كان عبد الحليم خدّام يقول لجورج حبش ونايف حواتمة (وغيرهما)، فالفلسطيني المقيم فيها مستخدمٌ لسلطة آل الأسد، وقد اعتنق أحمد جبريل وأبو موسى (نسيتُ اسمَه غير الحركي) وأبو خالد العملة، وغيرهم، هذه العقيدة، فقاتلوا بظهيرٍ سوريّ (وبعضٍ لبناني) معلنٍ في طرابلس ومخيّمات لبنان وغيرها ضد فلسطينيين لم يرتضوا لأنفسهم أن يكونوا مسامير في عرش حافظ الأسد الذي لم يحتمل يوماً وجود كيانيةٍ فلسطينية، اسمها منظمة التحرير، وقد أفضى بلسانه لانتصار الوزير (أم جهاد) عدم قناعته بضرورة قيام دولة فلسطينية، والشواهد بلا عدد على كراهيته تمثيل الفلسطينيين أنفسهم، وامتناعهم عن أن يكونوا في جيبه.
دوّن الشهيد الفلسطيني برصاص قنّاص في مليشيات الأسد عن 24 عاماً، أحمد الكوسا، يومين قبل مقتله في عام 2012، إن مشكلة مخيم اليرموك تنحلّ عندما تنحلّ مشكلة حمص وداريا ودرعا وإدلب وحلب. ولم يجد النظام غير تهديم المخيم وتشريد ساكنيه، وتهديم مخيماتٍ فلسطينيةٍ أخرى في سورية، حلاً لمآزقه، ذاته الحل الأمني المتوحش الذي أعمله في حلب وإدلب ودرعا وحمص. والتأكيد على قومية آل الأسد الحاكمين في قصر المهاجرين، كما مارسوها ضد الفلسطينيين، أمر شديد الوجوب، ليس فقط عندما تكشف صحيفةٌ بريطانيةٌ عن مذبحةٍ في حي التضامن بالغة الشناعة، وإنما أيضاً في كل سانحة، سيما وأن نخبةً فلسطينية، تزاول إنتاج الشعر والرواية والمسرح، ولها صوتُها العالي في محبّة قاسم سليماني، تقيم على الخرافة السمجة، عن انتصار الحكم في دمشق للقدس وفلسطين، عن مقاومةٍ وممانعةٍ يؤدّيهما هذا الجبان، وهو الذي لا بطولة معلومةً له ضد العدو الإسرائيلي، فيما يضجّ أرشيفه بمخازي مروّعة، مثل التي شوهدت في حي التضامن، ضد السوريين وإخوتهم الفلسطينيين. .. وفي مساواته بينهما في العسف والقتل ظلّ نظاماً قومياً عربياً بحقّ.