كل هذه الدروس إلى أحمد الشرع
ننقُر في الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء السورية (سانا) لنضبط المسمّى الرسمي لأحمد الشرع، فنراه "قائد الإدارة السورية الجديدة" (وليس قائد الإدارة العامّة كما يُخطئ بعضُنا). وليس من أحدٍ يدلّنا على هيكليات هذه الإدارة، وما إذا لها مجلسٌ رئاسيٌّ أو قياديٌّ أو ثوريٌّ أو ... ، ولا ندري أعضاء هذه الإدارة. ما ينسحب أيضاً على "إدارة العمليات العسكرية"، والتي لنا أن نخمّن أنها أشبه بهيئة الأركان في الجيوش. وإلى هذا وذاك، لا نتوفّر على "مراسيم" أو قرارات (رئاسية؟) تبيّن القوانين أو المرجعيّات التي تعمل بموجبها هاتان المؤسّستان، الحاكمتان في سورية اليوم التالي للخلاص من بشّار الأسد ونظامه. وإذ تضجّ في النقاش الجاري بشأن اللحظة السورية الراهنة دروسٌ ونصائحُ بلا عددٍ يتوجّه أصحابُها بها إلى الشرع وصحبِه، فإن لكاتب هذه السطور أن ينصح، لا أن يعطي درساً، القيادة في دمشق بأن تشرَعَ في "تأثيث" سياقٍ تشريعيٍّ وقانوني (مؤقّت بطبيعة الحال) ينظّم عملية إصدار القرارات بشأن إدارة الشأن العام في مستوياته العديدة. وفي البال أن كل قيادةٍ تنتصر في أي بلدٍ وتطيح سابقتها، بعملٍ ثوريٍّ أو ترتيبٍ سياسيٍّ أو فعلٍ انقلابي (أو...)، تُعلم الناس، أولاً، بدستورٍ تلغيه أو تعطيل بنودٍ فيه وببرلمانٍ تحلّه وبإعلانٍ مؤقتٍ تُصدره وبتشكيلاتٍ تؤلّفها. ولأن شيئاً من هذا كله لم يُخبَر به السوريون، لن تكون بائخةً نكتةُ من يمزح أن لحزب البعث أن يُقاضي الإدارة الجديدة بدعوى أنها أخلّت باستحقاقٍ في دستور البلاد الذي لم يُحلّ، ويُعطيه "الحقّ" في الحكم.
استئناساً بجدّيةٍ واجبةٍ في هذا المقام، ليس نافلاً السؤال ما إذا كان أحمد الشرع يتزوّد بالدروس والنصائح والمطالبات والمؤاخذات الموزّعة في مواضع عديدة، أو بعضٍ منها، أو أن المحيطين به يُؤثرون منجاته من صداعٍ قد تُحدِثه هذه كلها. ولأن غزارة هذه كلها تفيضُ بكثيرٍ مما لا طاقة لأحد أن يتفرّغ لها، ولأن بعضاً منها يتعالم على الرجل ومن معه بفوقيّةٍ ومدرسيّةٍ منفّرتَين، وبعضاً آخر تلتبسُ فيه الأولوياتُ شديدة الإلحاح بالبعيد والاستراتيجي، وبعضاً ثالثاً يتّصف بالعقلانية والرزانة وإدراك حقائق الواقع الماثل وتعقيداته العويصة، ولأن بعضاً ليس أخيراً يُمرحل المتطلّبات والاستحقاقات ويُجدول زمنياً ما يلزم آنياً وما له مواقيت قريبة وأخرى بعيدة، لأن هذا كله (وغيره) كثيرٌ في فضاءات التواصل وحساباته، وفي مراكز أبحاث مقدّرة، وفي كتابات أصحاب الرأي وأهل الفكر والتفكير، فإن المأمول من أحمد الشرع أن يُحاط بمن يغربلون هذه كلها، ويمايزونها، ويشورون عليه في "دفتر أولويات واستحقاقات"، وهو شابٌّ أربعيني، لم يتخيّل نفسه، قبل ستة أسابيع، يجلس في قصر الشعب في دمشق يتوافد إلى مجالسته وزراء ومسؤولون أميركيون وعرب وأوروبيون، منهم حريصون على الإنصات إليه بدافع الحرص على سورية وشعبها، فيطلُب منهم العوْن في مرحلة شديدة الحساسية، وآخرون جاءوه ليُسمعوه مطالب وشروطاً. ولا يدسّ واحدُنا أنفه في شأنٍ سياديّ في الدولة السورية الجديدة لو "نصح" صاحب المسؤولية الأولى في هذه الدولة بأن يستعين بأهل العلم والأهليّة والخبرة، من الكفاءات السورية في الداخل والشتات، في غير أمرٍ، سيّما في الذي جاءت عليه السطور أعلاه، وفي "تنظيم" عملية الانتقال السياسي الصعبة.
لا نظنّه أحمد الشرع غافلاً عن أن عمليات بناء مؤسّسات السلطة والحكم والتسيير، المدنيّة والعسكريّة (الجيش) والأمنيّة، اختصاصاتٌ لها أصحابُها، فليس كل من تمنطق سلاحاً وحارب مليشيات الأسد به تأهل سلفاً ليكون جندياً أو ضابطاً في جيش سورية المأمولة. وليس كل من أدار مديريةً ما في إدلب صار مرخّصاً له أن يدير قطاعاً عريضاً في عموم سورية. ولمّا دلّ أحمد الشرع على ملكاتٍ شخصيةٍ، وقياديّةٍ فيه، فإن براغماتيّته (المفاجئة؟) تجيز أن يُنتَظَر منه انفتاح أوسع على أهل الدراية والعلم والاختصاص. وتبيح لنا، نحن الذين تقيم سورية في جوانحنا، أن نطلب منه أن يُخاطب السوريين، مباشرة، في خطابٍ متلفزٍ، بدل أن يعلموا منه ما يخطّط وما ينوي من محاوراته مع تلفزاتٍ ومنابر أجنبية وسعودية. أما الدروس الوفيرة، وربما الفائضة عن الحاجة، وليس كاتب هذه الكلمات من أصحابِها، ففي بعضها نفعٌ، لا بأس من استنئاسٍ به، قبل مؤتمر حوار وطني وفي غضونه وبعده.