مع أرونداتي روي طبعاً
ربما لا يكون دقيقاً تماماً ما ذهب إليه الصحافي في "التايمز"، أمريت ديلون، أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، يريد، في مضيّ حزبه "بهاراتيا جاناتا" إلى محاكمة الروائية والقاصّة والناشطة أرونداتي روي (1961)، تأكيدَ ظهورِه بمظهر القوي، بعد خسارة حزبِه الأغلبية في الانتخابات النيابية أخيراً، فربما هي المصادفة جعلت العضو في الحزب، حاكم دلهي، فيناي كومار ساكسينا، يحرّك القضية المرفوعة ضد الكاتبة الشهيرة في العام 2010، بعد تلك الخسارة قبل أيام. ولكن، يجوزُ افتراضُ هذا، من دون حسمِه، غير أن المؤكّد الذي يُمكن إشهارُه من دون تحفّظٍ أن صاحبة "وزارة السعادة القصوى" مستهدَفةٌ من ناريندا مودي وحزبِه، لمعارضتها عنصريّتهما، وسياستهما الهندوسية المتطرّفة. وقد صار لصوْتها حضورُه في وسائط الإعلام الدولية، وفي محافل ثقافيةٍ عالميةٍ كُبرى، بفعل ما حقّقته أعمالُها من مكانةٍ عليا، منذ أحرَزت روايتُها الأولى "إله الأشياء الصغيرة"، في 1997، جائزة البوكر البريطانية. والمتوقّع أن تنتصرَ لها في محاكمتها المرتقبة أصواتٌ تقدّميةٌ عديدةٌ في العالم، سيّما أنها نشِطةٌ في مناهضة كل تمييز، وفي النضال السياسي والاجتماعي في قضايا حقوق الإنسان وحماية البيئة وضد الخيار النووي ومحاربة الطائفية، وهي من أبٍ بنغاليٍّ هندوسيٍّ وأمٍّ مسيحيةٍ (تطلّقا في صغرها). فضلاً عن نشاطها المشهود ضد سياسات الولايات المتحدة وحروبها في أفغانستان والعراق وغيرهما.
ويحسُن بنا، في هذا المقام، الاهتمام الخاصّ بالذي تواجَه به الكاتبة الهندية في بلدها، في هذا الاستهداف القضائي لها، بتحريك شكوى جنائية قُدّمت ضدها، بموجب "قانون مكافحة الإرهاب"، الذي تصفه أوساطٌ عريضةٌ في الهند بأنه غير ديمقراطي وغير دستوري، وذلك بدعوى قولِها قبل 14 عاماً في منتدىً ثقافي إن إقليم كشمير ليس جزءاً من الهند. وقد عُدّ هذا الكلام بمثابة الكفر بواحدٍ من المقدّسات والأعراف السياسية والوطنية في الهند، لحساسيّته البالغة. وفيما لم تدعُ روي إلى انفصال كشمير عن الهند، إلا أن حملاتٍ ضدّها، خصوصاً من "بهاراتيا جاناتا"، طالبتها بالتراجع عما قالته أو مغادرة الهند. وفي وجوهٍ أخرى للمسألة، ليس تزيّداً أن يقال إن صُداعاً شديداً جداً تُحدثه الكاتبة والمناضلة السياسية وكاتبة السيناريو للسلطة الحاكمة في بلدها، المتمثلة خصوصاً بالحزب الذي لا يجد حرَجاً في إشهار عنصريّته واستهدافه المسلمين، وأرشيفُ زعميه مودي يضجً بكثيرٍ من هذا. وإذ فقد الحزب في انتخابات البرلمان قبل أيام مقاعد عديدة، فلم تعُد له الأغلبية التي مكّنته سنواتٍ من الانفراد بالسلطة التنفيذية، فلنا أن نتوقّع تداعيات إيجابية لهذا الحدث، سيّما مع تقدّم حزب المؤتمر الوطني، بزعامة راهول غاندي، وتحسّن حضوره في البرلمان. ولسنا نعرف ما إذا كان سيصيرُ لهذا المزاج المترجرج والمستجدّّ أثرُه البيّن في محاكمة الكاتبة اللامعة.
يحسُن هنا التذكير بالموقف الشجاع الذي أشهرته صاحبة "نهاية الخيال" (أحد مؤلفاتها التي تضم مقالاتها)، في غضون حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزّة، وهي التي طالما وقّعت على عرائض مع مثقّفين وكتّاب أجانب ضد الوحشية الإسرائيلية، فقد ألقَت، في مارس/ آذار الماضي، بياناً في اجتماع في نادي الصحافة في نيودلهي، عنونته "غزّة... لن يحدُث مطلقاً مرّة أخرى"، انتقدت فيه بشدّة تعاطف رئيس وزراء بلادها، ناريندا مودي، مع إسرائيل، وذكَرت أنه "صديقٌ حميمٌ لنتنياهو". ومن كثيرٍ جهرت به "لقد عانى الفلسطينيون الذين يواجهون أقوى الدول، وتُركوا بمفردهم تقريباً، معاناةً لا تُقاس. لكنهم انتصروا في هذه الحرب (في غزّة). لقد تصرّفوا، وصحافيوهم وأطباؤهم وفرق الإنقاذ، وشعراؤهم وأكاديميوهم، والمتحدّثون الرسميون، وحتى أطفالهم، بشجاعة وكرامة ألهمت بقية العالم". وختمت بيانها بأن "فلسطين سوف تكون حرّة"، وهي التي اعتبرت في كلمةٍ أسبق، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "غزّة بوصلة العالم الأخلاقية". وقبل ذلك، في نوفمبر/ تشرين الثاني، قالت، في كلمة لها لم تتمكّن من إلقائها بنفسها في مهرجان أدبي في ميونخ، إن حصار غزّة جريمةٌ ضد الإنسانية، و"إذا سمحنا باستمرار هذه المذبحة الوقحة، حتى عندما يجري بثّها على الهواء مباشرة في فترات الاستراحة الأكثر خصوصية في حياتنا الشخصية، فإننا نكون متواطئين فيها".
... إذن، مع أرونداتي روي ضد ناريندا مودي وحزبه طبعاً.