مسلسل تلفزيوني عن السنوار المعجَب بعرفات
تصلُح رواية يحيى السنوار (1962) التي كتبها في السجن الإسرائيلي، "الشوك والقرنفل"، لسيناريو مسلسل درامي شائق، وفي وُسع شركة إنتاجٍ طموحة، وبغرض الربح لا غيره، أن تفعلها، وتُنجز هذا المسلسل التلفزيوني الذي سيضجّ بتفاصيل اجتماعيةٍ ومعيشيةٍ وسياسية، ليس فقط عن أسرةٍ فلسطينيةٍ لاجئةٍ من عسقلان إلى مخيّم خانيونس في قطاع غزّة، كان الكاتب من أفرادها، بل أيضاً عن مشهد فلسطيني عريض، يجول في 40 عاماً، يبدأ من مطالع الستينيات إلى إقامة السلطة الفلسطينية، فثمّة غنىً إنسانيٌّ على كثيرٍ من التنوّع، يُتيحُه تعدّد الشخصيات، سيّما بشأن أحداث ووقائع كبرى، من قبيل حربي 1967 و1973 وبينهما معركة الكرامة (1968) وصدامات 1970 في الأردن مع المقاومة الفلسطينية، ثم زيارة أنور السادات القدس ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وتالياً حرب لبنان 1982، وصولاً إلى اتفاق أوسلو. وذلك من خلال عيون شبابٍ، في هذه الأسرة، وأقارب وجيران ومعارف لهم، تحسّس كلٌّ منهم وعيه الخاص بشأن الوضع العام والصراع مع إسرائيل. وعدا أن فضاءات الرواية زمنياً فسيحة، فإنها مكانياً تخرُج من خانيونس إلى عموم قطاع غزّة وإلى الضفة الغربية (الخليل وجامعة بير زيت وغيرهما) والأردن ومصر. وأظنّهم أخطأوا من قرأوا الرواية وعدّوها سيرةً لكاتبها يحيى السنوار، إذ يبدو الرجل راوياً عن نفسه بمقادير أقلّ كثيراً مما روى عن غيره، وخصوصاً عن إخوته، حسن ومحمود ومحمّد، وعن والده، الذي من ذروة الدراما (لمسلسلٍ تلفزيوني) أنه اختفى بعد حرب 1967، ولم تعلم عنه أسرته شيئاً، فيما كان قد غادر إلى مصر، ثم استقرّ في الأردن، وتزوّج من فلسطينية في مخيّم البقعة، وقضى في صدامات الفدائيين مع الجيش هناك، وأنجب ولديْن توأميْن، يظهران شابيْن مع القادمين (العائدين) إلى غزّة بفعل تفاهمات أوسلو في 1993، ومعهما هذا المقطع المثير في الحكاية، والذي لم يكن معلوماً ليحيى وأخوته ووالدتهم التي صدمها هذا.
تقرأ "الشوك والقرنفل"، وتشعر بشيءٍ من المتعة في متابعة سجالاتٍ لم تنقطع بين محمود الذي درس الجامعة في القاهرة، وشقيقيْه حسن ومحمّد، فهو يناهض "الإخونجية" (بتعبيره)، ومتحمّس لمنظمّة التحرير وشرعيّتها، ويتفهّم اتفاقات أوسلو، وكثير الانتقاد للإسلاميين، ويرميهم بما فيهم وما ليس فيهم، ويحبّ جمال عبد الناصر، وكان في "القيادة الموحّدة للانتفاضة" الأولى. وفيما نتعرّف على آراء الشقيقيْن المخالفة، لا نقع على ما يراه شقيق الثلاثة، يحيى الذي يبدو سارداً متفرّجاً، يحكي عن الآخرين، وإنْ يخبرنا في الصفحات الأخيرة باشتراكه في عملياتٍ للمقاومة، وتعرّفه على حركة حماس. ولا تلتقط لهذا الشاب الذي استهواه ميلٌ إسلاميٌّ حماساً مفرطاً في وجهته هذه، ولا تلقى منه انشغالاً بانتقاد فصائل وتشكيلات فلسطينية أخرى. وهنا، أصاب ياسر عبد ربّه لمّا قال لمحاوره غسّان شربل إن السنوار ليس من سلالة الإخوان المسلمين المكوّنين عقائدياً بطريقة يصعب فيها عليهم التعامل البراغماتي والواقعي مع تطورات الأحداث، وجاء إلى "حماس" بوصفها ذات لون إسلامي وحركة مقاومة، بمعنى بعد 1987، عندما بدأت تتكوّن وتشترك في الانتفاضة الأولى.
لافتٌ الإعجاب الكبير الذي كان الشهيد يحيى السنوار يمحضه للزعيم ياسر عرفات. صحيحٌ أننا لا نصادف في "الشوك والقرنفل" اسم عرفات إلا مرّتين، أولاهما أنه صار، بعد معركة الكرامة، يُستقبل في العواصم العربية بحفاوةٍ خاصة. وثانيهما أن الطالب في المرحلة الثانوية، يحيى السنوار، كان "مثل كل الشباب في المخيّم في تلك الفترة" (بحسبه)، يشعر بشيءٍ كبيرٍ من الاحترام والتقدير لياسر عرفات، وأنه يعتبره قائدَه وزعيمه، ويهتف مع الشباب في التظاهرات حاملين صوره "بالروح والدم نفديك يا أبو عمّار" بكل صدقٍ وجدّية... لكنها مرّاتٍ عديدة خارج الرواية، حيّا فيها قائد "حماس" في غزّة ياسر عرفات، فباقٍ في الذاكرة أنه وصف الزعيم الراحل بالقائد الخالد في كلمته أمام حشدٍ في غزّة، بُعيْد معركة سيف القدس في 2021، وخاطبه "نم يا قرير العين، بعد أن أصبح لدى مقاومة شعبك مئات الصواريخ يكون فيها بتل أبيب وغوش دان". وكان قد خاطب واحدةً من مسيرات العودة في 2018: "إننا على عهد المقاومة والتحرير نسير على نهج الشهيد ياسر عرفات".
يحيى السنوار شخصيةٌ ملحميةٌ، تتوفّر على كل عناصر الإعجاب والإكبار، متعدّد، محاربٌ جسور... ومحبٌّ للزعيم ياسر عرفات، وكتب روايةً تنتظر من ينجز منها مسلسلاً تلفزيونياً مُتقناً.