مسرحية "الزائر" هوكشتاين في بيروت

17 يونيو 2022

عون يتحدّث إلى الوسيط الأميركي في ملف الحدود البحرية هوكشتاين (14/6/2022/ الأناضول)

+ الخط -

تضاهي ما فعلته مسرحية ترسيم الخطوط البحرية بين لبنان واسرائيل (فلسطين المحتلة) ما فعله مسرح العبث والتعبيرعن لامعقولية الوضع اللبناني، وعن مأزق النظام السياسي وعزلاته، وعن انفصام الروابط مع القانون الدولي العام وعن الواقع.

فكرة خط "هوف" والخط 23 (خط الإطار) والخط 29 ما هي، في حقيقة الأمر، سوى ألعاب تسليةٍ يلهو بها اللبنانيون منذ العام 2002، ولا طائل منها بعد الرفض السوري للترسيم حينها، ولا تفيد في شيء. فائدتها الوحيدة إضاعة الوقت، وانتظاراتٍ لخلاصٍ لا يجيء في التنقيب عن النفط والغاز.

كأنها مسرحية صموئيل بيكيت "في انتظار غودو" تطرح اللاجدوى والعبثية في مخاطبة اللبنانيين والعالم، في انتظار ما سيقوله، وما سيقوم به الوسيط الأميركي، آموس هوكشتاين. الطريف أن الطبقة السياسية تعرف جيدا الموقف الأميركي في المفاوضات. فقط إعطاء صورة لموقف أميركي معروف جيدا، جال به الأخير على قيادات منقسمة ومفكّكة. لعبة تحريك كراسي يوجين يونسكو، على مأساة وفراغ، أقرب إلى أسلوب التهكّم على اللبنانيين. الإعلان عن تسليم كبير المفاوضين اللبنانيين الرئيس ميشال عون الموفد الاميركي قرار بلاده الشفوي، الموافقة على خط 23، والتمسّك بحقل قانا كاملا، وأجزاء من الحقل 8، يخضع هذا الوضع التفاوضي لـ"حركة" مضافة إلى النص المسرحي لرئيس جمهوريةٍ تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

فكرة خط "هوف" والخط 23 (خط الإطار) والخط 29 ما هي، في حقيقة الأمر، سوى ألعاب تسلية يلهو بها اللبنانيون منذ العام 2002

إعلان شفوي يخلو من أي منطق. كان المطلوب تمسّك الحكومة اللبنانية بقرارات القانون الدولي العام، وبقرارات اتخذتها محكمة العدل الدولية في عدة قضايا، منها قضية ترسيم الحدود بين تونس والجزائر، وأصبحت قواعد آمرة دوليا، واتفاقيات الترسيم البحري بين فرنسا والمملكة المتحدة (1996)، التركية الليبية (2019 )، وغيرها، ثم التمسّك بالعودة إلى اتفاقية البحار للعام 1982 بين الدول ذات السواحل المتقابلة. قاعدتان دوليتان في قضية الترسيم بين تونس والجزائر (2011) ترتكزان على مسألتي الخط العمودي الذي يرسم زاوية قائمة، يقاس فيها عرض البحر الإقليمي بين البلدين. المسألة الثانية قاعدة استمرارية الحدود البحرية توازيا مع العرض البحري للمنطقة الاقتصادية الخالصة.

غادر هوكشتاين لبنان، برومنطيقية متأخرة غنائية في "حب لبنان"، "جو حلو" أحب العودة إليه مرة ثانية .." "خطا لبنان خطوة متقدمة..". وأنهى لقاءاته الرسمية التعدّدية بجولة على مقاهي منطقة الجمّيزة الليلية في الأشرفية، معلنا ربما طول ليالي السهر في مفاوضات امتدت مثل الصندوق الأسود، منذ العام 2007 مع قبرص، ولم تجر متابعتها حول حدود المنطقة الاقتصادية بهدف التعاون واستثمار الثروات. سنوات من التفاوض المتقطع وأربعة وسطاء، أولهم فريدريك هوف (2018) الذي أعطى لبنان نحو 500 كلم مربع، وإسرائيل نحو 360 كلم مربعا من أصل مساحة 860 كلم مربعا، ورفض لبنان الاقتراح. وتلاه دايفيد ساترفليد (2019). ثم ديفيد شنكر (2020)، حيث جرى التوصل إلى اتفاق إطار مع إسرائيل لترسيم الحدود برّا وبحرا. هوكشتاين هو آخر الوسطاء الذي يحمل تراجع لبنان عن الخط التفاوضي 29، الخط المعلن بعد مضي عقدين منذ العام 2002، حين كلفت الحكومة اللبنانية مركز شاتمون لعلوم المحيطات التعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإعداد دراسةٍ لترسيم الحدود، وعملية مسحٍ جيولوجي لمياهه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة. وأخيرا، بدأت الباخرة "إينرجيان باور" عملية تخزين الغاز في حقل كاريش الذي تستغله إسرائيل، ويحظى باستقطاب المفوّضية الأوروبية العاجل.

مجتمع لبناني محاصر بالخطوط في حروبه ومعيشته اليومية وتندمج الخطوط كل منها بالآخر

مجتمع لبناني محاصر بالخطوط في حروبه ومعيشته اليومية وتندمج الخطوط كل منها بالآخر، من أشكال عنف غذائي إلى طوابير محطّات المحروقات وأمام الأفران والإدارات العامة وصناديق الضمان الاجتماعي، ودائرة الجوازات والسفارات .. لعبة خطط تُضاف إليها التهديدات الإسرائيلية، وما وراء الخطوط الحمراء. أسلوب من الأساليب التي تستخدمها الأوليغارشة السياسية اللبنانية ليس جديدا.

تضع مسرحية "الزائر" الأميركي لبنان والمنطقة في القبضة الأميركية وضغوطها على العراق، وفي اليمن، وليبيا، والسودان، وتتوجها زيارة الرئيس الأميركي، بايدن، إلى إسرائيل والسعودية بين 13 و16 الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، ولقاءاته مع القيادة السعودية، قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس المصري وملك الأردن. .. وحده حزب الله خارج لعبة الانضباط وخارج التفاهم الذي انتهى إليه استماع اللبنانين إلى الوسيط الأميركي. على لسان أمينه العام، حسن نصرالله، الذي حمل كلاما "ملغوما"، سمّى نائبه السابق نواف الموسوي ممثله في قضية الترسيم، وعلى الحكومة اللبنانية الاستماع إليه وأخذ تعليماتها منه، في مشهد يستعيد الانقسام اللبناني عشية الاجتياح الإسرائيلي العام 1982.

لبنان بلد مستحيل كيانيا، مع محيط من أزمات إقليمية ديمغرافية. تبقى مسألة " الزائر"، إذ يتوجّه إلى إسرائيل. هل يعود؟ في مرحلة غير واضح فيها لا اسم رئيس الحكومة المقبل، ولا اسم رئيس الجمهورية.

يقظان التقي
يقظان التقي
إعلامي وأكاديمي ومترجم لبناني، له عدد من الكتب، دكتوراة في الدبلوماسية والعلاقات الدولية.