مستشار ألمانيا: يستقوي علينا ودجاجة مع الصهاينة
يخوضُ مستشار ألمانيا، أولاف شولتز، المعركة ضدَّ الوجودِ الفلسطيني كما لو كان الصهيوني الأخير الناجي من الهولوكوست، الذي قرّر أن يدافع عن الاحتلال الإسرائيلي حتى آخر يوم في عمره. ... لا يكتفي بالقتال الدبلوماسي في المحافل الدولية من أجل الكيان اللقيط المزروع في بلادنا نتيجة للمحرقة التي نفّذتها ألمانيا النازية في سكانها من اليهود، بل انتقل إلى القتلِ المادي العمدي لحقِّ الإنسان الفلسطيني في الحياة والسفر والتعبير عن قضيته وممارسةِ كلّ أشكالِ المقاومة لتحرير أرضه واسترداد تاريخه المسروق وجغرافيته المغتصبة.
ملامح المستشار الألماني كانت مرسومة على وجه ضبّاط جوازات مطار برلين الذين أوقفوا الطبيب الفلسطيني البريطاني، غسّان أبو ستة، لدى وصوله قادماً من اسكتلندا يوم الجمعة الماضي، وحقّقوا معه ثلاث ساعات، قبل أن يمنعوه من الدخول ويطلبوا منه العودة من حيث أتى.
كان المستشار حاضرًا كذلك في شخوص قوّات الأمن التي اقتحمت مقرّ انعقاد مؤتمرٍ لدعم القضية الفلسطينيّة، ومنعت إقامته تحت عنوان "مؤتمر فلسطين... سنحاكمكم"، الذي عكف على تنظيمه مجموعة من الناشطين والحركات السياسيّة في ألمانيا، من ضمنهم ألمان وفلسطينيون ويهود معادون للصهيونيّة.
باختصار، هذا الرجل أشرس من أكثرِ أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي تطرّفًا في كراهية الحق الفلسطيني، على نحوٍ يؤهله لأن يكون زميلًا لوزيري الأمن الداخلي والمالية في حكومة الاحتلال، بن غفير وسموترتيش، بدلًا من اغترابه داخل منصب مستشار ألمانيا.
محاولةُ إرجاعِ السلوك الصهيوني لمستشار ألمانيا إلى عقدةِ الذنب التاريخية المتأصّلة منذ الممارسات العنصرية للنازية الألمانية ضد اليهود في ألمانيا وبولندا والمجر وليتوانيا ودول أوروبية أخرى، لا تكفي لتفسير هذه العنصرية العدائية ضدَّ الشعب الفلسطيني، ذلك أنّ الإحساس بالذنب يجعل الذات تندفع في عكسِ الاتجاه الذي أوجد هذا الذنب، في حين أن هذا الرجل، أولاف شولتز، يمارس ضدَّ الفلسطينيين ما سبق أن فعله النازي ضدّ يهود ألمانيا، بل يتفوّق عليه في عنصريّته.
الأقرب إلى الدقة أنّ الرجل على خطى أسلافه من حكّام ألمانيا ما بعد النازية ممن وجدوا في الكيان الصهيوني على أرضِ فلسطين مصلحة استعمارية، جعلت أحد مستشاري ألمانيا السابقين يصف إسرائيل بأنّها "قلعة الغرب" كما قال كونراد أديناور، مستشار ألمانيا الغربية، عام 1960، حين التقى بن غوريون في نيويورك.
لو كان مستشار ألمانيا الحالي يشعر بالذنب تجاه اليهود الذين استهدفتهم بلاده بالهولوكوست حقًا لفكّر في إعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، ولو كان يحبّ الصهاينة ويُعجب بهم إلى هذا الحدّ فلماذا لا يستردّهم من أرضٍ، هو يعلم أنّها ليست لهم، أرض اسمُها فلسطين وستبقى فلسطين، ويستفيد منهم في بلده؟
هل كانت مصادفة أن يشدّ المستشار الألماني الرحال إلى القاهرة دعمًا لإسرائيل بعد أيام قلائل من بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، ويقف مع عبد الفتاح السيسي في مؤتمرٍ صحافي مشترك يعلن فيها تطابق الرؤيتين المصرية والألمانية والسيسي يردّد أمامه "قلت هذا الأمر لفخامة المستشار وأقوله في العلن، إذا كانت هناك فكرة للتهجير توجد صحراء النقب. ممكن قوي يتم نقل الفلسطينيين حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة في حماس والجهاد الإسلامي وغيره في القطاع، ثم بعد ذلك تبقى ترجعهم إذا شاءت".
على أنّه ليس مستشار ألمانيا وحده الذي يناضل من أجل الاحتلال العنصري ضدّ الشعب الفلسطيني، ذلك أنّ الصراع، في وجهٍ من الوجوه، يدور وفقًا لمعايير الماضي الكريه: حكاّم الغرب القديم بكلِّ استعلائه وعنصريته يعودون للدفاع عن قلعتهم في الشرق، لذا يستخدمون كلّ الأسلحة من المقاتلات والصواريخ السامة إلى الميديا والدبلوماسية المتغطرسة، فتتّخذ المؤسسة الإعلامية دويتشه فيله خطاب المستشار المتصهين شولتز منهجًا في العمل، وتتحوّل الصحيفة الأميركية، نيويورك تايمز، إلى حنجرة للمتحدّث باسم البيت الأبيض المتصهين أكثر من الصهاينة أنفسهم، فتفرض على محرّريها ومراسليها الذين يغطّون الحرب على قطاع غزّة الابتعاد عن استخدام مصطلحي "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي" و"تجنّب" استخدام "عبارة "الأراضي المحتلة" عند وصف الأراضي الفلسطينية، وفقًا لنسخة من مذكرة داخلية مسرّبة تحدثت عنها صحف عالمية.
المؤسف أنّ هناك من العرب، حكّاماً وإعلاميين، من يفعل الشيء نفسه في العداء للمقاومة، والامتثال لما يريده زعماء الغرب الاستعلائي، فصاروا يُظهرون أكبر قدر ممكن من الانسلاخ من عروبتهم، إيثارًا للسلامة أو حرصًا على العروش.