مسابقة: أدهى الشطّار في الديار
قال الراوي، يا سادة يا كرام، إن القصر أعلن عن مسابقةٍ لانتخاب أدهى الناس، والجائزة منصب وزير الهجوم والدفاع، وجناح أيمن وجناح أيسر. وكان شعار المسابقة الكلامي "الحرب خدعة والسلام أيضًا"، وشعار المسابقة الصوري ثعلبٌ له ذيل بسبع لفات ونصف، عُقدت على رأسه كالعمامة. وكان شرط المسابقة أن يكون سنّ المتسابق فوق السادسة عشرة، من غير نظر إلى لون شعره أو بياض أسنانه أو طول قامته، أو محل قيد إقامته، فتقدّم الآلاف ممن وجدوا في أنفسهم الفطنة والفتكة، والمكر والحيلة والقدرة على اضطرام النار في الماء من غير زناد أو فتيلة، واسُتبعدت كثير من الحيل الفاسدة، والكيود البائدة، واصطفت اللجنة المشرفة شرّ الماكرين، مع الأدلة والمستندات الثبوتية والحيل المسجلة لدى المختار بالطوابع اللازمة والأختام، مرفقة بسبع صور حاسر الرأس، ضاحك الثغر. وكان الفائزون بالقائمة القصيرة كالتالي:
مزارع استطاع أن يهرّب حبوب مخدّرات في بعض كتب الأذكار والرقائق التي صنع ورقها من مادة الكبتاغون. كان الرجل الباقعة قد ألف كتبًا تؤكل! صاحب مدجنة استطاع أن يجعل الديكة تبيض والدجاجات تؤذن للفجر بين المغرب والعصر عند مرور لمّة الخيالة. صاحب مقهى كان يغش زبائنه، ويصنع الشاي من مغلي التبن الأسود، ويجعلهم يغنون من أول حسوة هل رأى الحب سكارى مثلنا، وأحيانًا سكابا يا دموع العين سكابا. طبيب كان يعيد الثيبات أبكارًا، والعاهرات أطهارًا، ويستطيع أن ينقل دم شخص من زمرة AB النادرة إلى شخص دمه زمرة O سلبي. بائع ملح يبيع الصخر الأبيض المطحون على أنه سكر نبات. كشاش حمام كان يكش الغربان مثل الحمام، ويجعلها تهدل وتسجع وتغني يا دلع دلع بين الحلوين اطّلع.
احتارت اللجنة في اختيار الفائز بعد مقابلة المتسابقين، وامتحنتهم في ابتكاراتهم، وكان تعليل الحيلة جزءًا من علامات الفوز، وقد علّل الفائزون غشّهم البضائع والمتاع بالتعليلات التالية: زعم تاجر المخدّرات إنه يتاجر بها لأن الشعب مسكين ومهزوم في الحرب وفي السلام، وجائع ومكسور الخاطر، ويحتاج إلى سلوى ونسيان، وهي أسهل طريقة لجعل العبد مثل السلطان. وسوّغ تاجر المدجنة علّة تحويله الديكة إلى دجاج بالتحولات المناخية والتكيف مع العصر الجديد، وإدمان الدجاج والديكة على قناة نتفليكس. وقال الطبيب إنه يسعى إلى الحفاظ على سلام المجتمع، ويردع الرجال من ارتكاب جرائم الشرف الرفيع الذي يُراق على جوانبه الكاتشب. أما بائع الملح، فبرّر غشّه الملح بأنه صنع للناس ملحًا لا يذوب، الملح الجيد الصلب الذي يصمد لتغيرات الزمان وتصاريف الحدثان، بسبب انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم وللمحافظة على صحة الناس.
اجتمعت اللجنة في غرفة سوداء كحلية، بعيدًا عن وسائل الإعلام وتأثيرها، وكان أعضاؤها أقسموا بشرفهم، وهم جميعًا من عديمي الشرف والناموس أنهم سيحافظون على نزاهة الاختيار، ونبذ الوساطات والمحسوبيات، وعدم النظر إلى الدين والطائفة والعرق واللهجة والقبيلة. وسهرت اللجنة الليل بطوله وهي تتجادل وتدفع الحجّة بالحجّة والكأس بالكأس، فالمملكة في خطر داهم، وهي محاطة بالذئاب، وكثيرة الثروات. وعندما أدرك شهرزاد الصباح، وأضاء الفجر بنوره ولاح، أعياها الاختيار، وأتعبها النظر والاعتبار، فقرّرت اللجوء إلى القُرعة، فمنحت رقمًا لكل متسابق، وأحضرت نردًا مكعبًا مختلف الأضلاع، ورشحوا طفلًا بريئًا معروفًا بوضع الشوك في درب المعلمات، لرمي النرد، وهو ابن أمين سر اللجنة، فقذف النرد قذفًا بعيدًا لو أصاب عين الصقر لقلعه، فسقط في البئر، فتطيّرت اللجنة، وأعلنت بالإجماع فوز صبيةٍ حسناء مرّت أمام نافذة الغرفة السوداء، تبيّن لاحقًا أنها ذكرٌ متنكّر، وأمسى وزيرًا للهجوم والدفاع، وحارس المرمى وحكم الساحة، وتزوّج من الأميرة، وأمسى ولي عهد الملك، وقد تناهت الأخبار بأنه دسّ للملك سمًّا فمات، بعد أن عزله في جزيرة على البحر، فتولى عرش الملكة، وألغى مسابقة المكر والدهاء، واستبدلها بمسابقات اختيار ملكات البطيخ والعنب والباذنجان الأسود. وذكر المؤرّخون أنه كان يحب الخضرة النسائية المشكلة وسلطة الفواكه الأنسية.