مروان البرغوثي رئيساً لفلسطين
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
تشكّل الانتخابات الفلسطينية فرصةً لتذكير العالم بالقضية الفلسطينية، ليس باعتبارها قضية سلطةٍ تواجه أزمة مالية ومشكلات حدودية، بل باعتبارها المأساة الوحيدة الباقية من مخلفات حقبة الاستعمار، وأن ما سمّيت "عملية سلام" منذ ثلاثة عقود ليست أكثر من عمليات تجميل لوجه الاحتلال القبيح، ولداعميه الذين لا يقلون عنه قبحا.
يشكّل ترشيح مروان البرغوثي للرئاسة فرصة مثالية لتقديم القضية الفلسطينية بشكل محترم للعالم، وهو شخصيةٌ مناضلةٌ تحظى بثقة الشارع الفلسطيني، ولديها قبول دولي أيضا، فهو من حركة فتح التي مثلت الشريك الحقيقي في "عملية السلام"، بخلاف أسرى حركة حماس الذين يعبّرون عن حركة نجحت دولة الاحتلال في تجريمها دوليا ووصمها بالإرهاب.
يعبر مروان عن "شرعية المقاومة" مبعدا من قبل، ومعتقلا حاليا بسببها، وهو "أبو القسام"، بحسب كنيته، ولا يزاود عليه في ممارسة الفعل المقاوم، وليس فقط تبنّيه ودعمه، وهو يعبر عن الشباب الفلسطيني الذي يمثل أكثرية الشعب الفلسطيني، وهو ليس ملوّثا مثل محمد دحلان، الذي ارتبط اسمه بتمرير صفقة القرن والتآمر على القيادات الفلسطينية التاريخية، أبو عمار أولا وأبو مازن ثانيا، وفوق ذلك، متورّط بالدم الفلسطيني الذي لا يمحى بـ"المصالحات العشائرية " البائسة التي رضيت بها "حماس".
يسجّل لأبو مازن أنه وفي لابنه "أوسلو" الذي مات جنينا قبل أن يرى النور، ولا يزال متشبثا بثوابت الاتفاق الذي لم تلتزم دولة الاحتلال لا بمراحلة المؤقتة ولا الدائمة، ولم يتبق منه غير وعودٍ لا تتحقق وتنسيق أمني لا يتوقف. صمد أبو مازن في وجه كوشنر وترامب ومن وراءهما من أعراب، لكنه لم يجرؤ على تبنّي خيار الانتفاضة أو المقاومة، وغاية مناه اليوم هي عودة "عملية" السلام، وتشغيل الفرقة الموسيقية في مبنى المقاطعة، وإخراج السجاد الأحمر من المستودعات لاستقبال كبار الوفود الرسمية الذين تنتهي حفلتهم بلقاءٍ مغلقٍ مع ماجد فرج، المسؤول عن البند الوحيد المطبق في أوسلو، وهو التنسيق الأمني.
انتخاب أبو مازن اليوم إهانةٌ له تُظهره بمظهر طفل صغير يحتكر الدّمى والألعاب، ولا يشارك أقرانه باللعب. المفروض أنه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبمثابة أب لكل معتقل وشهيد وطريد ولاجئ. بقدر ما هي إهانة للشعب الفلسطيني الشاب الذي لا يقدر أن يجدّد قياداته، سيكون فوز أبو مازن عارا عليه، لأنه، في نظر الشعب الفلسطيني، حرم القضية من ألق دولي، عندما تظهر بصورتها الحقيقية قضية "أسيرة". وسيكون هذا الفوز جريمة بحق مناضل مثل مروان البرغوثي ورفاقه الأسرى الذين سيشكل ترشيحه فرصةً لن تتكرّر للإفراج عنه وعنهم.
سيكون الإجماع على انتخاب مروان البرغوثي تجسيدا حقيقيا للوحدة الوطنية الفلسطينية، وليس وحدة حركة فتح، أو وحدة حركتي فتح وحماس. وبالنتيجة، كل الانتخابات هي في سجن كبير اسمه الضفة الغربية وقطاع غزة، تماما كانتخابات السجون. وأيا كان الفائز، فإنه لن يملك أكثر من تشغيل الفرقة الموسيقية بمعزوفها الرديء في ساحة المقاطعة في رام الله.
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.