ماذا أنتم فاعلون؟

10 مايو 2021
+ الخط -

لم يبقَ سوى أسابيع قليلة، وتشرع إثيوبيا في تنفيذ المرحلة الثانية في ملء بحيرة سدّ النهضة. وعلى الرغم من إخفاق الاتحاد الأفريقي في كلّ مراحل الأزمة، تبقي القاهرة والخرطوم عليه، راعياً شكلياً لمسار التفاوض المتعثر. وبعد عشر سنوات حافلة بالمفاوضات والتصريحات والتطورات، ما زال مسؤولو الدولتين يقومون بجولاتٍ ولقاءاتٍ لشرح أبعاد الموقف، وتوضيح مخاطر الأزمة.
وأمام هذا العقم في التفكير والانسداد المتكرّر في الأزمة، وإعادة تدوير الخطوات نفسها مرّات ومرّات، ثمّة تساؤلات قديمة تفرض نفسها مجدّداً، إذ ازدادت بمرور الوقت وجاهة ومنطقية. فبعد عقد من المفاوضات والمناورات، لا أحد يعلم تحت أيّ إطار قانوني كانت تجري المفاوضات... القانون الدولي؟ أم المعاهدات الثنائية السابقة؟ بل من المشروع الآن التساؤل عن محتويات أجندة التفاوض؟ وما معايير ترتيبها، وعلى أيّ أساس تم وضع أولوياتها؟
في مايو/ أيار 2014 قرّرت أربعة أطراف دولية مهمة (البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والصين وإيطاليا) الامتناع عن تقديم تمويل المشروع أو تسهيله، بسبب رفض مصر له. لماذا لم تتمسّك مصر بهذا الموقف، ولم تصرّ عليه حتى التوصل إلى اتفاق، شرطاً مُسبقاً للمضيّ في المشروع؟
وبعد أشهر قليلة من هذا التطور المهم، ظهرت فجأة فكرة "إعلان المبادئ". وروّجه إعلام البلدين إعلان هزيمة إثيوبيا ووثيقة إذعانها للقاهرة والخرطوم. لكنّ أحداً في مصر أو في السودان، فسّر سبب إصدار إعلان المبادئ أصلاً؟ وما الهدف منه والمصلحة المبتغاة من ورائه؟ وهل جسّدت بنوده ذلك الهدف أو تلك المصلحة؟ لقد منح الإعلان إثيوبيا مسوّغاً قانونياً حاججت به الدول والمؤسسات الدولية. ونجحت بالفعل في استدرار التمويل لمشروع السدّ، فلماذا لم يتضمن إعلان المبادئ ربط مراحل تنفيذ المشروع بالتوصل إلى اتفاق فني وقانوني نهائي وإتمام صياغته وتوقيعه؟
لم يتضمن الإعلان - النص، صراحة، آلية مُلزمة لفض المنازعات. وتضمن فقط التفاوض بين وفود الأطراف الثلاثة، فإن لم تتفق يُرفع الخلاف إلى قادة الدول الثلاث، وإن استمر الخلاف يمكن اللجوء إلى وساطة طرفٍ تتفق عليه الأطراف الثلاثة. ومعنى ذلك أنّه في حال اختلاف الأطراف الثلاثة على أيّ مسألة، ثم العجز عن حلّها حتى على مستوى القيادات، يمكنها أن تلجأ إلى وسيط، شريطة أن تتفق (هذه الدول نفسها التي هي على خلاف أصلاً) على تحديد هذا الوسيط!
استناداً إلى توقيع الإعلان، مضت إثيوبيا في تنفيذ المشروع، بينما استمرّت عملية التفاوض على حالها من دون أيّ نتائج أو إشارات إلى قرب الاتفاق، فلماذا كان الاستمرار في التفاوض بعد توقيع الإعلان الكارثي، ست سنوات؟! في منتصف هذه المدة، أي بعد ثلاث سنوات من الإعلان، تهرّبت إثيوبيا من توقيع مسودة الاتفاق التي أعدتها الولايات المتحدة. ألم يكن ذلك الموقف كاشفاً وفاضحاً وكافياً لقطع مسار التفاوض العبثي، وإعادة النظر في طريقة إدارة الأزمة؟ ألم يكن ذلك كافياً لأن يحثّ القاهرة، بل يستوجب منها الانسحاب من إعلان المبادئ الذي أُسيء إعداده من جانب، وأسيء استغلاله من الجانب الآخر؟ إنّه بحكم التعريف مجرّد "إعلان مبادئ" أي ليس اتفاقاً نهائياً، وإنّما فقط وثيقة تسجّل فيها المواقف والنيات وتوضح القواعد العامة، فإن لم يلتزم بها طرف، لا حرج على الأطراف الأخرى في التخلي عن تلك الوثيقة المبدئية... ويبقى السؤال الأهم لمصر والسودان: أمامكم خياران؛ الاتفاق النهائي أو الحرب، فماذا أنتم فاعلون؟
بعد كلّ ما سبق من أخطاء غير مُبرّرة، ليست الكارثة في أيّ من الخيارين، وإنّما في الهروب منهما. سواء باتفاقٍ جزئي أو بوثيقةٍ أخرى مرحلية لا تحمل من صفات الاتفاق سوى الاسم، فلا تؤمّن حقوقاً، ولا تضمن التزاماً.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.