ليت خالد علي سكت

27 ابريل 2016

خالد علي في مظاهرة أمام نقابة الصحافيين بالقاهرة (15إبريل/2016/Getty)

+ الخط -

ذهبت الجماهير إلى تظاهرات الغضب ضد بيع الأرض، أول من أمس، حسب الموعد الذي ضربه المحامي والناشط الحقوقي، المرشح الرئاسي السابق، خالد علي، لكن الأخير لم يأت، حبسه أكثر من حابس، وفقا للرواية التي وضعها بنفسه على صفحته في "فيسبوك" أمس.

لا أشكك في انتماء خالد علي للثورة، ولا أفتش في نياته، ولا أسيئ الظن في الأسباب التي ذكرها، كحائل دون تمكنه من الالتحام بكتلة الغضب النبيل التي أضاءت شوارع مصر، غير أن هذا لا يمنع من مشاركة الجماهير سؤالها له: لماذا لم تأت في الموعد المضروب لعشاق مصر؟

يتحدث خالد علي في روايته عن أن كثافة الحواجز والانتشار المريع لقوات الأمن والمخبرين والعسس، جعلت اجتياز شوارع القاهرة أصعب عشرات المرات من عبور حاجز "قلنديا" الذي يضرب به المثل في معاناة الفلسطينيين، مع قوات الاحتلال الصهيوني، إذا ما أرادوا العبور من جنوب رام الله إلى القدس المحتلة، والتشبيه من عندي، وليس مما كتبه خالد.
أصدق تماماً أن كل شبر في القاهرة يوم الغضب كان مزروعا باثنين من العسس على الأقل، وأسلم بأن عدد المدرعات والمجنزرات فاق أعداد التاكسي والسيارات الخاصة، لكني، في الوقت نفسه، أعلم أن خالد علي ليس شخصاً عادياً، ولا متظاهراً من عامة الناس، بحيث يعود من حيث أتى، أو يكتفي باللف في الشوارع، بمواجهة غطرسةٍ أمنيةٍ مسلحة، وإلا فهو هنا. وفي هذه اللحظة، يخذل رمزيته التي اختارها لنفسه، وبنفسه، حين عين نفسه قائداً للغضب، وكما قلت، قبل أكثر من أسبوع، "سطع اسم خالد علي في نهاية يوم "جمعة الأرض" متحدثاً باسم الغضب، حين أدار عملية التفاوض على إنهاء الفعاليات الحاشدة، وأقنع المتظاهرين بالخروج من مراكز الغضب الشعبي، بسلام ومن دون صدامات دامية، على أن يعودوا في الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان، لمواصلة النضال ضد سلطة البيع والتفريط والإهانة الوطنية".

ومما قلت أيضاً، فإن هذا الموعد صار  اتفاقاً ثورياً واضح المرتكزات والأهداف، ومحل احترام جميع الأطراف، ويضع على كاهل خالد علي مسؤولية وطنية وأخلاقية، كونه كان مشرفاً أو منسقاً عاماً للغضب الشعبي العارم الذي انفجر في الأسبوع الماضي".

مرة أخرى، لا تشكيك على الإطلاق في ثورية خالد علي، ولا اعتراض على أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن كل إنسان حر في تحديد المسافات التي يريد أن يمشيها، والمساحات التي يوجد فيها، لكن هذا لا يمنع من التوقف عند سطور تشيع إحساساً بالعجز وقلة الحيلة، وتفتح الباب واسعاً لتساؤلات من نوعية: لماذا رجع خالد علي من حيث طلب منه الأمن أن يرجع، ولم يواجه أو يتحدّى حتى ينتزع حقه في السير في الشوارع، وممارسة حرية التنقل والتعبير، وإن كلفه ذلك أن يكون ضمن مئات المعتقلين؟.

لماذا يربط اسمه باسم حمدين صباحي، الذي أعلن أنه سيقود حشود يوم الغضب بنفسه، ثم ابتلعته الأرض فجأة، وحين اقتحمت قوات الأمن مقر حزب كان هو مؤسسه وزعيمه التاريخي، لم يحرك ساكنا، ولم يدع للنفير العام لتياره الشعبي، حماية لمن احتموا بداره من بطش قوات الأمن؟!

كان الأفضل لخالد علي، ولجماهير الثورة، أن يسكت، ولا يبحث عن حجج وأعذار، يبرر بها عدم ظهوره في اليوم الموعود، لأنه حين تحدث أظهر نوعا من الإحساس بالعجز وقلة الحيلة، من شأنه أن يقدم دعما لحملة إلكترونية تحاول إشاعة مناخ من اليأس والإحباط، بعد يوم كان بحق ملحمة من ملاحم نضال الثورة المصرية.

لا يحتاج الناس من خالد علي أن يقول لهم لماذا لم يخرج معهم، فكثيرون منهم يصدقونه ويتفهمون أسبابه، بل يحتاجون كلمات وأفعالا ومواقف تحافظ على روح التحدي والإصرار التي تألقت، أول أمس، ودعمها وتعضيدها، وصولا إلى جمعة غضب تنتظر رموزا غابت، بعذر، وأخرى انتحرت.

لا يريد الناس أن يسمعوا كلمة "ماقدرتش" بل يريدون أن يسمعوا هتافا واثقا يقول"نعم نستطيع ولن نكف عن المحاولة".

الناس لا تريد تبريرا، ولا اعتذارا، بل تريد تثويرا وتعويضا عن الغياب في امتحان مضى، بالحضور في  جمعة الغضب التي تستحقها مصر، في التاسع والعشرين من الشهر الجاري.

لقد نجح العاديون بتفوق في امتحان الأمس، فيما أخفقت الرموز، ومع ذلك الفرصة لا تزال سانحة أمامهم لينفضوا عن أنفسهم الغبار.

دلالات
وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة