ليبيا بين حكومة التكنوقراط وأمراء الحرب

19 فبراير 2021
+ الخط -

انتهى الحوار السياسي الليبي الذي انعقد في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة إلى انتخاب مجلس رئاسي، ورئيس حكومة يتولى تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة الوضع العام في البلاد، تمهيدا للانتخابات العامة المزمع إجراؤها في شهر ديسمبر/ كانون الأول من السنة الحالية.

ربما كان مفاجئا اختيار شخصية عبد الحميد الدبيبة ليكون رئيسا للحكومة الانتقالية، وكان صعوده في مواجهة قائمة أخرى، ضمت شخصيات قوية ومؤثرة في المشهد الحالي، ونعني بها قائمة تحالف الثنائي عقيلة صالح وفتحي باشاغا. ويحيل هذا الاختيار إلى جملة من الملاحظات، أبرزها حالة من الميل إلى التقليص من نفوذ قادة الحرب الأهلية من الجهتين، سواء من قادة حكومة الوفاق في طرابلس أو من حلفاء خليفة حفتر في الشرق، فلا أحد يرغب فعليا في مزيد استمرارية نفوذ أمراء الحرب الحاليين في ظل الرغبة العارمة في الخروج من الأزمة الراهنة.

وأمام صعود رجل أعمال لم يكن معارضا لمعمر القذافي، وفي الوقت نفسه، يحتفظ بعلاقات قوية حاليا مع أوساط حزبية في طرابلس، بالإضافة إلى كونه متحدرا من مصراتة، المدينة ذات النفوذ السياسي والاقتصادي في البلاد. ومع الدعم الدولي الواسع الذي حصل عليه، فهذا يمنحه جملة من نقاط القوة لإدارة المرحلة أو ربما يمكن اعتباره نسخة جديدة من رفيق الحريري اللبناني، رجل الأعمال الذي صعد إلى السلطة حلا بين فرقاء الحرب الأهلية اللبنانية في حينه.

كلما تقدم الحل السياسي المترافق مع ضبط حركة السلاح وتطبيع الحياة اليومية، أصبح ممكنا الحديث عن بناء ليبيا الجديدة الديمقراطية

غير أن كل هذه العوامل مجتمعة لا تعني أن طريق عبد الحميد الدبيبة سيكون سالكا وسهلا لإدارة المرحلة، وهو الذي تعهد بجملة من النقاط ستكون أساس برنامج العمل الذي تعهد به، وأولها إتمام المصالحة الوطنية، وحصر السلاح في يد الدولة، وتكوين جهاز شرطة على أسس مهنية صرفة، بالإضافة إلى معالجة مشكلات الوضع الاقتصادي المتهالك. ويدرك المتابع للمشهد الليبي أن جوهر نجاح العملية السياسية يرتبط أساسا بالاتفاق العسكري على وقف إطلاق النار بين الجهات المتناحرة على الأرض، وأن المرحلة التالية المتعلقة بضبط حركة السلاح وحل المليشيات وبناء جيش وطني حقيقي ومهني منضبط للقيادة السياسية التي تفرزها الانتخابات ستكون الاختبار الأشد صعوبة أمام الحكومة المؤقتة الآن، والحكومة التي ستفرزها انتخابات هذا العام، إن تمت في موعدها المفترض مستقبلا، فالمشكلة الأساسية في ليبيا الحالية تجد جذورها في حالة التكاثر غير المسبوق في المليشيات المسلحة، سواء في الغرب أو في الشرق، بغضّ النظر عن اليافطات الكبرى التي تنضوي تحتها، فهذه الجماعات المسلحة لم تعد مجرّد مليشيات صغيرة مثلما تشكلت مع بداية الأزمة، وإنما تحولت إلى أدوات سلطة توسع نفوذها، وامتد واستفادت من علاقات دولية وضخ للأسلحة من جهاتٍ مختلفة، وهو ما يعني صعوبة تنازلها عما تعتبره غنيمة حرب، وهي لن تسلم بسهولة لأي حكومة مدنية، وإنما ستحاول الحصول على أكبر قدر من النفوذ، من أجل ضمان استمرار حضورها في المرحلة المقبلة. فمن الصعب أن يتخلى خليفة حفتر عما يسمّيه جيشا وطنيا بما يضمّه من مليشيات، بعضها ولاؤه لرموز نظام القذافي، والبعض الآخر مليشيات دينية مدخلية متطرّفة. وبالتأكيد، ليس الوضع في طرابلس أفضل، فالقوى العسكرية التي واجهت حملات حفتر، وتصدّت للمرتزقة، لن تقبل ببساطة تجريدها من حضورها العسكري ونفوذها الميداني. وتبقى المشكلة الثانية في الملف الأمني تتعلق بالمرتزقة الأجانب، وفي مقدمتهم الجنجويد السودانيون ومرتزقة شركة فاغنر الروسية التي تدعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورحيل هؤلاء يستلزم حزمة من الاتفاقيات المتعلقة بالتدخل الدولي، وفي مقدمته التدخل الإماراتي المباشر الداعم لحفتر، في مقابل الاتفاق الأمني والعسكري الذي وقعته حكومة الوفاق مع الدولة التركية.

على الطرف الآخر من المشهد الليبي، لا يزال الوضع المعيشي صعبا في ظل أزمات السيولة المالية وانقطاع الكهرباء، بالإضافة إلى الشعور بالإحباط لدى المواطن العادي الذي لم يعد يتحمّل الوضع الأمني المتفجر، وانعدام الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى الهيمنة الميدانية لأمراء الحرب ممن يتصرّفون خارج القانون. في مواجهة وضع كهذا، سيكون أمام حكومة التكنوقراط، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، مهام عاجلة وأكيدة، وكلّما تقدم الحل السياسي المترافق مع ضبط حركة السلاح وتطبيع الحياة اليومية، أصبح ممكنا الحديث عن بناء ليبيا الجديدة الديمقراطية، كما أراد لها ثوار 17 فبراير في 2011 أن تكون.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.