25 اغسطس 2024
لماذا ثرتم ضد الأسد؟
كان ثمّة ثلاث سيارات عسكرية تسير ببطء على طريق إدلب حارم، المشجر المتعرّج الذي يزود مدينة إدلب بالهواء النظيف صيفاً، وبالرياح والزمهرير شتاء.
وكان عددٌ من الرجال والشبان قد بُطِحوا على أرضية الشاحنة العسكرية (الزيل)، بطريقة الدجاج الذي يؤخذ إلى البازار للبيع يوم الأربعاء: الصدرُ على الأرض، واليدان فوق الظهر وقد شُدَّتَا بكلبشة تشبه حبال القش الرقيقة المشمعة، والرأس يرتفع إلى الأعلى غريزياً، لأجل أن يبقى صاحبُه متواصلاً مع ما حوله.. وكان الجميع خائفين، واجمين، مذعورين، عدا الشاب نذير الدايخة الذي كان يتحدث، على الرغم من صعوبة التحدث في وضعٍ كهذا، دونما توقف، فيقول:
- نحن، يا شباب، نعيش حياةً ملؤها المفاجآت، يكون الواحدُ منا ماشياً باتجاه الجنوب، ليكتشف، بعد قليل، أنه ماشٍ باتجاه الشمال. نحن، مثلاً، الذين كنا قبل ساعة نملأ الجو هتافاً من أجل الحرية، أصبحنا الآن نفتقر إلى أدنى درجات الحرية، والواحد يتمنى، مثلاً، لو يُتَاح لصدره أن يتنفس على سجيته، ولكن هذا النوع من الانبطاح يجعل ثقل الجسم كله يكبس على الصدر، فإذا كان بيننا أناسٌ يعانون من الربو، فإن حالتهم سوف تتعقد أكثر، بحسب المكان الذي نحن ذاهبون إليه، وهو، أعني المكان، معروفٌ للضابط الذي يركب في السيارة الأمامية، وأما بالنسبة لنا فغير معروف، ولكنني لمحتُ، من التربيعة المكسورة من طرف السيارة الأيمن، مبنى الملعب البلدي لكرة القدم. وهذا يعني أننا سائرون على طريق إدلب حارم، وسنمر بمعمل الكونسروة، ثم الفرن الآلي. وإلى اليمين (غابات الباسل) التي أنشأها ورعاها سيادة العميد نبهان السباهي، رئيس فرع أمن الدولة. وبحسب تفكيري، هناك ثلاثة احتمالات، الأول أن يُنْزِلونا في السجن المركزي، والثاني أن يتابعوا بنا إلى مفرق الجبل الوسطاني، ثم يذهبوا بنا جنوباً باتجاه عرّي وسيجر والفيوم، وفي أقرب منطقة وعرة خالية من الناس، يصفُّونا على نسقٍ، ويرشّونا. وفي هذه الحالة، يتخلص المصابون بضيق التنفس من آلامهم، لأن أي نوعٍ من الأمراض لا يمضُّ في نفس صاحبه إلا إذا كان صاحبُه حياً، وهناك معادلتان صحيحتان تماماً، الأولى تقول (حياة= ألم) والثانية (موت= راحة أبدية).. والاحتمال الثالث أن يتابعوا بنا حتى نصل إلى حارم، فالشريط الحدودي الذي يفصلنا عن تركيا، وهناك يفتحون ثغرةً في الشريط، ويجبرونا على الدخول إلى الأراضي التركية، ويأتون بترجمانٍ يقف ويهتف منادياً حرس الحدود قائلاً: تعال أنت يا هو، أبلغ رئيس جمهوريتك ورئيس وزرائك ووزير خارجيتك أن هؤلاء الكواويد غير لازمين لنا، وبإمكانكم أن تأخذوهم هكذا تبرعاً لوجه الله تعالى، ونعاهدكم بألا نطالبكم بأحدٍ منهم على مدى الدهر.
حينما وصل نذير بكلامه إلى هذه النقطة، ارتفع صوت أحد الرجال المنبطحين، قائلاً: اخرس بقى اخرااااس. يخرب بيت الذي ربط الجحش، وتركك أنت داشراً. أنت شو أنت؟ ماكينة مزيتة؟
في هذه الأثناء، أخذ الشبان المنبطحون يتململون، وتتحرك رؤوسهم باتجاه مصدر الصوت، وقد عرفوا أن المتحدّث هو أبو إبراهيم المحمدو الملقب (الرتيلة).. وقد وجه حديثه إليهم قائلاً:
- يخرب دياره شقد ينعي، متل الغراب، كل شي عملناه أننا صرخنا بدنا حرية، هلق بس نوصل بيضربوا كل واحد منا كفين، وبيقولوا خلص ما بقى تعيدوها وبيرجعونا عالبيت. نحن أشو عملنا لحتى يرشّونا أو يقدفونا على الأراضي التركية؟
قال نذير: عملنا الشيء الذي سنعاقَبُ عليه، فبدلاً من أن نجمع بعضنا أمام فرع الحزب، ونحمل صور القائدين التاريخيين، حافظ وبشار الأسد، واللافتات التي تشيد بعطائهما، ونصيح بالروح بالدم نفديك يا بشار.. خرجنا لنقول الشعب يريد إسقاط النظام، ويلا ارحل يا بشار، وسورية لنا ما هي لبيت الأسد.. وعلى كل حال، نحن ذاهبون، وسوف نرى.
وكان عددٌ من الرجال والشبان قد بُطِحوا على أرضية الشاحنة العسكرية (الزيل)، بطريقة الدجاج الذي يؤخذ إلى البازار للبيع يوم الأربعاء: الصدرُ على الأرض، واليدان فوق الظهر وقد شُدَّتَا بكلبشة تشبه حبال القش الرقيقة المشمعة، والرأس يرتفع إلى الأعلى غريزياً، لأجل أن يبقى صاحبُه متواصلاً مع ما حوله.. وكان الجميع خائفين، واجمين، مذعورين، عدا الشاب نذير الدايخة الذي كان يتحدث، على الرغم من صعوبة التحدث في وضعٍ كهذا، دونما توقف، فيقول:
- نحن، يا شباب، نعيش حياةً ملؤها المفاجآت، يكون الواحدُ منا ماشياً باتجاه الجنوب، ليكتشف، بعد قليل، أنه ماشٍ باتجاه الشمال. نحن، مثلاً، الذين كنا قبل ساعة نملأ الجو هتافاً من أجل الحرية، أصبحنا الآن نفتقر إلى أدنى درجات الحرية، والواحد يتمنى، مثلاً، لو يُتَاح لصدره أن يتنفس على سجيته، ولكن هذا النوع من الانبطاح يجعل ثقل الجسم كله يكبس على الصدر، فإذا كان بيننا أناسٌ يعانون من الربو، فإن حالتهم سوف تتعقد أكثر، بحسب المكان الذي نحن ذاهبون إليه، وهو، أعني المكان، معروفٌ للضابط الذي يركب في السيارة الأمامية، وأما بالنسبة لنا فغير معروف، ولكنني لمحتُ، من التربيعة المكسورة من طرف السيارة الأيمن، مبنى الملعب البلدي لكرة القدم. وهذا يعني أننا سائرون على طريق إدلب حارم، وسنمر بمعمل الكونسروة، ثم الفرن الآلي. وإلى اليمين (غابات الباسل) التي أنشأها ورعاها سيادة العميد نبهان السباهي، رئيس فرع أمن الدولة. وبحسب تفكيري، هناك ثلاثة احتمالات، الأول أن يُنْزِلونا في السجن المركزي، والثاني أن يتابعوا بنا إلى مفرق الجبل الوسطاني، ثم يذهبوا بنا جنوباً باتجاه عرّي وسيجر والفيوم، وفي أقرب منطقة وعرة خالية من الناس، يصفُّونا على نسقٍ، ويرشّونا. وفي هذه الحالة، يتخلص المصابون بضيق التنفس من آلامهم، لأن أي نوعٍ من الأمراض لا يمضُّ في نفس صاحبه إلا إذا كان صاحبُه حياً، وهناك معادلتان صحيحتان تماماً، الأولى تقول (حياة= ألم) والثانية (موت= راحة أبدية).. والاحتمال الثالث أن يتابعوا بنا حتى نصل إلى حارم، فالشريط الحدودي الذي يفصلنا عن تركيا، وهناك يفتحون ثغرةً في الشريط، ويجبرونا على الدخول إلى الأراضي التركية، ويأتون بترجمانٍ يقف ويهتف منادياً حرس الحدود قائلاً: تعال أنت يا هو، أبلغ رئيس جمهوريتك ورئيس وزرائك ووزير خارجيتك أن هؤلاء الكواويد غير لازمين لنا، وبإمكانكم أن تأخذوهم هكذا تبرعاً لوجه الله تعالى، ونعاهدكم بألا نطالبكم بأحدٍ منهم على مدى الدهر.
حينما وصل نذير بكلامه إلى هذه النقطة، ارتفع صوت أحد الرجال المنبطحين، قائلاً: اخرس بقى اخرااااس. يخرب بيت الذي ربط الجحش، وتركك أنت داشراً. أنت شو أنت؟ ماكينة مزيتة؟
في هذه الأثناء، أخذ الشبان المنبطحون يتململون، وتتحرك رؤوسهم باتجاه مصدر الصوت، وقد عرفوا أن المتحدّث هو أبو إبراهيم المحمدو الملقب (الرتيلة).. وقد وجه حديثه إليهم قائلاً:
- يخرب دياره شقد ينعي، متل الغراب، كل شي عملناه أننا صرخنا بدنا حرية، هلق بس نوصل بيضربوا كل واحد منا كفين، وبيقولوا خلص ما بقى تعيدوها وبيرجعونا عالبيت. نحن أشو عملنا لحتى يرشّونا أو يقدفونا على الأراضي التركية؟
قال نذير: عملنا الشيء الذي سنعاقَبُ عليه، فبدلاً من أن نجمع بعضنا أمام فرع الحزب، ونحمل صور القائدين التاريخيين، حافظ وبشار الأسد، واللافتات التي تشيد بعطائهما، ونصيح بالروح بالدم نفديك يا بشار.. خرجنا لنقول الشعب يريد إسقاط النظام، ويلا ارحل يا بشار، وسورية لنا ما هي لبيت الأسد.. وعلى كل حال، نحن ذاهبون، وسوف نرى.