لبنان في عهدة "المرشّح الثالث"

13 يونيو 2023
+ الخط -

ماذا بعد انتهاء الجلسة الـ12 لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، المفترض إجراؤها غداً الأربعاء، ما لم يستجدّ أمر طارئ يدفع إلى تأجيلها؟ في فرضية فوز أحد المرشّحين، سليمان فرنجية أو جهاد أزعور، لن تندثر المشكلات اللبنانية، بل ستتشعّب. شئنا أم أبينا، في ظل غياب التوافق، لن ينجح الخاسر في إرساء عهد رئاسي ناجح من ست سنوات، بل سيخوض غمار معارك سياسية ضيّقة وواسعة. لا يعني هذا أن "التوافق" أمر طبيعي في الديمقراطية، لكنه في لبنان مفروضٌ بحكم الواقع، الذي لا يمكن تبدّله إلا عبر مخاض عسير، قد يكون دموياً. ولا أحد من اللبنانيين، خصوصاً بعد صيف 2019، تاريخ بدء التراجع المالي، يملك ترف الوقت والجهد لتحقيق مرحلة انتقالية تؤدّي إلى ديمقراطية شبه مثالية. أساسا، الديمقراطية في أزمة في العالم حالياً. 
لم يكن التوافق المبني على تفاهمات طائفية وسياسية يوماً في لبنان إلا توزيع حصص في الدولة. اليوم، لم تعد الدولة تدرّ الأموال، لكن التوافق سيبقى العنصر المرغوب في لاوعي سياسيي لبنان. يعتبر حزب الله نفسه رابحاً في الشرق الأوسط، ويحتاج إلى تكريس الانتصار في الداخل، عبر تأمين فوز فرنجية. في المقابل، يسعى المعسكر الآخر، وفي مقدمته القوات اللبنانية، إلى سحب ورقة "النصر" من الحزب بالرئاسة. في الحالتين، لن يكون المنتصر منتصراً، بل سيكون خاسراً بانتصاره. يعلم حزب الله ذلك جيداً، بعد أن خَبرَه في عهد الرئيس السابق ميشال عون. أما "القوات" فترى أن تثبيت فوزها النيابي في تشريعيات 2022، تحديداً في الساحة المسيحية يسمح لها في إنهاء أي منافسةٍ داخلية لها، عبر تصوير نفسها في مواجهة الحزب. 
الأرجح أن تمسك الطرفين بمرشحيهما، يأتي لإدراكهما أن مؤشّرات معالجة الأزمة المالية اللبنانية بدأت تلوح في الأفق، خصوصاً أن الاقتصاد النقدي المعمول به في بيروت أخيراً ساهم، إلى حدّ ما، في تخفيف بسيط للتدهور الاقتصادي. كذلك، الحركة الاستثمارية تجاه لبنان، ولو أنها لا تزال خجولة، تمنح تفاؤلاً بزيادتها في مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس، على اعتبار أن التنقيب عن النفط، المقرّر البدء به في سبتمبر/ أيلول المقبل، وفي موازاة خفض الإنتاج النفطي لدول مجموعة أوبك سيساعد لبنان، من حيث لا يدري. 
 بالتالي، يحتاج كلا الطرفين، حزب الله والقوات اللبنانية، إلى التصالح مع الجزء الأكبر من اللبنانيين، من خلال التمسّك بمرشّح رئاسي، يتيح لهما القول إن "خلاص لبنان" من أزمته جاء بفضلهما. لكنه، في نهاية المطاف، لعب في وقتٍ ضائع. وبعد يوم غد الأربعاء، ستتراجع قدرتهما على تأمين فوز أحد المرشّحين، وسيلتقيان على المرشّح الثالث، وسيدعمانه. سيقف واحدهما على يساره والآخر على يمينه. ولن يكون المرشّح الثالث تابعاً لهما، لكنه لن يقدر على تجاهلهما. صفقة لا بأس بها، تتيح لهما الاستثمار في شعبيتهما، وتحقيق هدنةٍ مجتمعيةٍ تبقى حتى عام 2026 أقله، موعد الانتخابات النيابية المقبلة. 
 في المقابل، سيتساقط كثيرون تباعاً في لبنان، على اعتبار أن المرشّح الثالث، الذي تضمّ قائمة أسمائه أشخاصا عديدين، في مقدمتهم قائد الجيش اللبناني جوزف عون، سيتمايز عن أسلافه من الرؤساء اللبنانيين، ولن يخرج عن طبيعة التوازنات الداخلية والخارجية. أي أن يكون هذا الرئيس أشبه بالرئيس الثالث لجمهورية ما بعد الاستقلال في عام 1943، فؤاد شهاب. ودائماً في لبنان لا يمكن لطرفٍ أن يحقق انتصاراً كاسحاً، بل تُعيد الرمال المتحرّكة اللبنانية إلى الأرض كل من تعالى فوق شجرة. الجميع يعلم ذلك، ومبدأ رفع السقوف التفاوضية لن يخرج عن السيطرة. كثرة الحركة في الرمال المتحرّكة تُغرق الإنسان. الأربعاء يوم مفصلي لفرنجية وأزعور حصراً. سيدركان أن "التوافق" أكبر بكثير من مجرّد كلمة. أما الخميس فيوم آخر للبنان وللمرشّح الثالث.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".