25 اغسطس 2024
لا أحب الغناء للشام
لم يعد الغناءُ لـ "الشام" يطربني. هل تكفي هذه العبارة لاستثارة فضولكم؟ كم كنتُ أطرب لهذه الأغاني قبل اليوم. هل تتخيّلون رجلاً كهلاً يسوق سيارته الهونداي فيرنا موديل 2006 على طريق اللاذقية إدلب، عائداً من سهرة "الثلاثاء الثقافي"، ويصغي، بشغف، إلى قصيدة "نَسَمَتْ مِنْ صَوْب سورية الجنوبُ" الفيروزية في وقتٍ متأخرٍ من الليل؟ هذا الكهل هو أنا. كنت أحتفظ، في دُرج سيارتي، بمجموعةٍ من الكاسيتات لكبار المطربين العرب، وأستمع إلى أجمل ما قيل في الشام من أغنياتٍ وأعذبه: بِتَاخُدْني الأيام، تبعدني الأيام، لكن روحي بتبقى، بتغني للشام، على طول الأيام، يا عمّي. وأترحم على المطرب الكبير محمد عبد المطلب، والشاعر عيسى أيوب، والموسيقار عبد الفتاح سكر الذين أبدعوها.
تطربني قصائد نزار قباني المغناة، ومنها: قُلْ للذين بأرض الشام قد نزلوا، قتيلُكم لم يزل بالعشق مقتولا. وقصائد الأخطل الصغير: بدءاً من: يا رُبا لا تتركي ورداً ولا تُبقي أقاحا- مَشَتِ الشامُ إلى لبنانَ شوقاً والْتِيَاحَا.. وصولًا إلى: قالوا تحبُّ الشامَ؟ قلتُ جوانحي مقصوصةٌ فيها، وقلتُ فؤادي.
ولا تقلُّ عَمَّا ذكرتُ قصائدُ الأخوين الرحباني التي كانا يبدعانها كلما عاد الصيف، ليذهبا بها إلى المعرض: يا شامُ يا بوابةَ التاريخ تحرسك الرماحُ..
هل وصلنا إلى المعلم الكبير سعيد عقل؟ أقول إنه لم يوجد مثل هذا الثلاثي (سعيد عقل- الشام- فيروز) عبر التاريخ. عشر قصائد كل واحدة أجمل من سابقاتها. أحاول استعراض أسماء قصائده في ذاكرتي، مِنْ "شامُ يا ذا السيفُ لم يغبِ"، إلى "سائليني يا شآم"، إلى قرأتُ مَجْدَكِ، إلى مُرَّ بي..
أكتب عن سعيد عقل بإعجاب؛ فيخرج لي الثوريون كما لو أنهم مُبَرْمَجون، ويقولون لي: ولكن سعيد عقل قال، وسعيد صَرَّح.. لا أكترث، أتابع التحليق مع: يومَ عيناها بساطُ السَّمَا، والرماحُ السودُ في الهُدُبِ، و: تَحْمِلُ العمرَ، تبدّده، آه ما أطيبه بَدَدا.. دواليك حتى يأتي مَنْ يعرف طبيعتي، فيقول لي: رويدك. ألستَ تمقت القتلَ بشكل عام؟ أقول بلى. فيقول: سعيد عقل طالبَ كل مواطن لبناني أن يقتل فلسطينياً. فأسكت. هي غصّتي الكبيرة أن يتحدّث سعيد عقل بهذا النزوع غير الإنساني، ويدافع زياد الرحباني الذي أعشقُه أيضاً عن ستالين وحسن نصر الله وبشار الأسد. هناك خللٌ ما، أكتشفُه الآن، وأتوقف عن الإعجاب بالأغاني التي تمجّد عاصمةَ الدنيا، الشام. أعود لأسترق السمع إلى فيروز، وهي تحمل أفكار سعيد عقل. أمويون، فإن تُهْتِ بهم، ألحقوا الدنيا ببستان هشام. وأفكر: لماذا نمجد الأمويين؟ ألم يؤسّسوا حكماً وراثياً يستوي فيه الوريث الذكي مع الوريث "الصُفّيْرة.. التشتوش"؟ ولماذا يُلْحقون (الدنيا) بلادَ الناس ببستانهم؟ هل خَرَّبَ الحياة على كوكب الأرض، عبر التاريخ، غيرُ الفتوحات والغزوات والاحتلالات واستعباد الناس الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
البارحة، وأنا أتوقف عن الإعجاب بالأشعار الشامية، سألتُ نفسي: يا ترى، عاصي ومنصور الرحباني، وسعيد عقل، وبشارة الخوري، ومحمد عبد المطلب يعرفون أن الشام، طوال عمرها، لم تتوصل إلى نظام سياسي يحمي شعبها من القتل والتدمير؟ أبو خليل القباني الذي أوجد المسرح العربي والرقص على المسرح، وطورهما، ألم تطرده الشام؟ دعونا نقفز إلى القرنين العشرين والحادي والعشرين اللذين أُبدعت خلالهما القصائد الشامية، ونتساءل: هل استطاعت الشام أن تمنع ابن حافظ الأسد من إلقاء البراميل والسلاح الكيميائي على المدن المأهولة بالسكان وقَتْل مليون "شامي" وتهجير عشرة ملايين شامي، وتعفيش بيت كل شامي مطرود من داره؟
كنت أحب أغانيكم، أيها الأساتذة الكبار، وأردّدها ليلاً ونهاراً، وما زلتُ أحبها، واللهِ، ولكنني أريد منكم أن تكتبوا قصيدةً عن كيف يكون في الشام نظامٌ ديمقراطي علماني متحضر يجعل الواحد من أهلها يشارككم الاعتزاز بشامه. أي نعم.
تطربني قصائد نزار قباني المغناة، ومنها: قُلْ للذين بأرض الشام قد نزلوا، قتيلُكم لم يزل بالعشق مقتولا. وقصائد الأخطل الصغير: بدءاً من: يا رُبا لا تتركي ورداً ولا تُبقي أقاحا- مَشَتِ الشامُ إلى لبنانَ شوقاً والْتِيَاحَا.. وصولًا إلى: قالوا تحبُّ الشامَ؟ قلتُ جوانحي مقصوصةٌ فيها، وقلتُ فؤادي.
ولا تقلُّ عَمَّا ذكرتُ قصائدُ الأخوين الرحباني التي كانا يبدعانها كلما عاد الصيف، ليذهبا بها إلى المعرض: يا شامُ يا بوابةَ التاريخ تحرسك الرماحُ..
هل وصلنا إلى المعلم الكبير سعيد عقل؟ أقول إنه لم يوجد مثل هذا الثلاثي (سعيد عقل- الشام- فيروز) عبر التاريخ. عشر قصائد كل واحدة أجمل من سابقاتها. أحاول استعراض أسماء قصائده في ذاكرتي، مِنْ "شامُ يا ذا السيفُ لم يغبِ"، إلى "سائليني يا شآم"، إلى قرأتُ مَجْدَكِ، إلى مُرَّ بي..
أكتب عن سعيد عقل بإعجاب؛ فيخرج لي الثوريون كما لو أنهم مُبَرْمَجون، ويقولون لي: ولكن سعيد عقل قال، وسعيد صَرَّح.. لا أكترث، أتابع التحليق مع: يومَ عيناها بساطُ السَّمَا، والرماحُ السودُ في الهُدُبِ، و: تَحْمِلُ العمرَ، تبدّده، آه ما أطيبه بَدَدا.. دواليك حتى يأتي مَنْ يعرف طبيعتي، فيقول لي: رويدك. ألستَ تمقت القتلَ بشكل عام؟ أقول بلى. فيقول: سعيد عقل طالبَ كل مواطن لبناني أن يقتل فلسطينياً. فأسكت. هي غصّتي الكبيرة أن يتحدّث سعيد عقل بهذا النزوع غير الإنساني، ويدافع زياد الرحباني الذي أعشقُه أيضاً عن ستالين وحسن نصر الله وبشار الأسد. هناك خللٌ ما، أكتشفُه الآن، وأتوقف عن الإعجاب بالأغاني التي تمجّد عاصمةَ الدنيا، الشام. أعود لأسترق السمع إلى فيروز، وهي تحمل أفكار سعيد عقل. أمويون، فإن تُهْتِ بهم، ألحقوا الدنيا ببستان هشام. وأفكر: لماذا نمجد الأمويين؟ ألم يؤسّسوا حكماً وراثياً يستوي فيه الوريث الذكي مع الوريث "الصُفّيْرة.. التشتوش"؟ ولماذا يُلْحقون (الدنيا) بلادَ الناس ببستانهم؟ هل خَرَّبَ الحياة على كوكب الأرض، عبر التاريخ، غيرُ الفتوحات والغزوات والاحتلالات واستعباد الناس الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
البارحة، وأنا أتوقف عن الإعجاب بالأشعار الشامية، سألتُ نفسي: يا ترى، عاصي ومنصور الرحباني، وسعيد عقل، وبشارة الخوري، ومحمد عبد المطلب يعرفون أن الشام، طوال عمرها، لم تتوصل إلى نظام سياسي يحمي شعبها من القتل والتدمير؟ أبو خليل القباني الذي أوجد المسرح العربي والرقص على المسرح، وطورهما، ألم تطرده الشام؟ دعونا نقفز إلى القرنين العشرين والحادي والعشرين اللذين أُبدعت خلالهما القصائد الشامية، ونتساءل: هل استطاعت الشام أن تمنع ابن حافظ الأسد من إلقاء البراميل والسلاح الكيميائي على المدن المأهولة بالسكان وقَتْل مليون "شامي" وتهجير عشرة ملايين شامي، وتعفيش بيت كل شامي مطرود من داره؟
كنت أحب أغانيكم، أيها الأساتذة الكبار، وأردّدها ليلاً ونهاراً، وما زلتُ أحبها، واللهِ، ولكنني أريد منكم أن تكتبوا قصيدةً عن كيف يكون في الشام نظامٌ ديمقراطي علماني متحضر يجعل الواحد من أهلها يشارككم الاعتزاز بشامه. أي نعم.