كيف صار التطبيع قضيّة العرب المركزية؟
محورُ المقترح المعلن من الرئيس الأميركي، جو بايدن، هو وقف الحرب من أجل الذهاب إلى صفقةِ تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهو ما يؤكّد عليه في كلّ تصريح يتعلّق بإنهاء القتل في غزّة، وكذلك يفعل معاونوه في الإدارة الأميركية.
تحلّ مسألة التطبيع مع السعودية واحداً من الإغراءات والمُحفّزات التي تقدّمها الإدارة الأميركية للجانب الإسرائيلي كي يقبلَ بالاكتفاء بهذا القدر من المجازر والمذابح، ليحصل على أسراه في غزّة، ومعهم تذكرة تطبيع مجّانية مع السعودية، الأمر الذي يضعنا أمام واقع مأساوي جديد، يقول إنّ قضيّة فلسطين تتحوّل من قضيةِ العرب المركزية إلى أداةٍ أو وسيلةٍ لتحقيق قضيّة أكبر وأكثر مركزية وأولوية هي قضيّة التطبيع العربي الصهيوني.
وعلى ذلك، يصبح النضال الرسمي العربي من أجل تنفيذ صفقة بايدن، والتي هي مقترح إسرائيلي بالأساس، احتشاداً من أجل التطبيع قبل أن يكونَ اصطفافاً مع حقوق الشعب الفلسطيني التي تنتقل من كونها غاية إلى وسيلةٍ للوصول إلى علاقاتٍ كاملةٍ مع الكيان الصهيوني، وهي حالة تفرضُ على الساعين إلى التطبيع اتخاذ مواقف رمادية محايدة تساوي بين الدم الفلسطيني وحفنةٍ من الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، الأمر الذي يجعلهم مضطرّين إلى الحديث عن العدوان الصهيوني باعتباره حرباً تشنّها إسرائيل ثأراً أو دفاعاً عن النفس، من دون أن يجرؤ أحدهم على امتلاكِ الرؤية الصحيحة للموقف، فيعلن بوضوح إنّه ليس من حقّ الاحتلال أن يتكلم بمنطق الدفاع عن النفس، حتى لو أطلق على جيشه اسم "جيش الدفاع".
مؤسفٌ أنّ أحداً من المسؤولين العرب لم يتحّدث كما تحدّث المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وبعد أيّام من بدء العدوان على غزّة، معلناً خلال كلمته أمام الجلسة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة للمنظمّة العالمية بشأن فلسطين أنّ "إسرائيل ليس لها الحق في الدفاع عن النفس في الصراع الحالي لأنّها دولة احتلال".
على العكس، كان العرب يتسابقون على إغراءِ الكيان الصهيوني بجائزة التطبيع لو تعطّف وقرّر إنهاء عدوانه على غزّة، وهو ما ظهر بوضوح في منتدى دافوس الاقتصادي في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين سئل وزير الخارجية السعودي في جلسةٍ نقاشيةٍ في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عمّا إذا كانت بلاده تستكمل المفاوضات في شأنٍ إقامةِ علاقاتٍ دبلوماسية بين الرياض وتل أبيب في إطارِ اتفاقٍ أوسع بعد حلّ الصراع الفلسطيني، قال "بالتأكيد".
الربط بين التطبيع الكامل وإنهاء العدوان على غزّة هو بمثابة رضوخ للابتزاز، وفي الوقت ذاته، هو ابتذال لقضيّةٍ عادلة ومحترمة باستعمالها ورقة تفاوض لتحقيق أهداف أخرى، بدلاً من أن تكون كلّ الأوراق مُسخرة للانتصار لهذه القضيّة، وقبل ذلك فإنّ هذا الربط لا يبدو منطقياً أو أخلاقياً على الإطلاق، كونه يصبح أقرب إلى مغازلة المجرم بحزمةٍ من المزايا لكي يقلّل من حجم جرائمه ومستواها.
الأهم من ذلك كله أنّ الشعب الفلسطيني لم يقدّم أكثر من 36 ألف شهيد وأكثر من مائة ألف جريح لكي يمهد سكةً للسادة المندفعين نحو التطبيع بكلِّ قوّةٍ وإصرار.
كان المتصوّر أنّ كلّ هذا الإجرام الصهيوني الوقح سوف يدفع كلّ الأطراف إلى مراجعة حساباتها والاعتذار لشعوبها عن السير حافية على جسرٍ التطبيع، إلى الحدّ الذي ذهب بعضهم معه إلى قمّة عربية، على مستوى وزراء الخارجية، تستضيفها وترأسها إسرائيل، في النقب الفلسطينية المحتلة، ويصفها رئيس حكومتها بأنّها يومٌ تاريخيٌّ ومؤثرٌ جداً لإسرائيل التي أدرك العرب أخيراً أنّها في خندقٍ واحدٍ معهم.
كم بقي من الأيّام التاريخية التي يصنعها العرب ويقدمونها هدايا إلى الاحتلال الصهيوني كلما أمعن في إجرامه؟