كل هذا بسبب رمّانة؟

05 نوفمبر 2021

(حسين ماضي)

+ الخط -

مثل الإعلامي اللبناني جورج قرداحي، كان الصحافي البريطاني بوريس جونسون يقول ويكتب آراء كثيرة في الشأن العام، حتى قبل أن صار وزيراً للخارجية في العام 2016، ورئيساً للوزراء في العام 2019. واشتهر جونسون بطول لسانه ومشاغباته التي طاولت زعماء دول كبيرة، من قبيل قصيدة كتبها في 2016 هجا فيها شخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفازت بألف دولار، في مسابقة مجلة "سبيكتيتور" لشعر الهجاء. ونظم جونسون قصيدته "البذيئة" رداً على مساعي أردوغان إلى مقاضاة ممثل ألماني كوميدي اتهم الرئيس التركي بإساءة معاملة الأكراد والمسيحيين. وبعد شهرين من تاريخ نشر القصيدة، تولى جونسون وزارة الخارجية، وقام بزيارة رسمية إلى تركيا، لم يثر الجانب التركي خلالها حادثة القصيدة المهينة للرئيس، فيما أعرب جونسون عن شعوره بالفخر والسعادة، لأنه يمتلك غسالة ملابس تركية الصنع تعمل جيدا. وعندما أثار الصحافيون موضوع القصيدة، أعرب جونسون عن "سروره" لعدم التطرّق إلى تلك "التفاهة" خلال محادثاته مع الجانب الرسمي التركي.

وخلال عمله الصحافي كاتب مقال أسبوعي في صحيفة التلغراف، اشتهر جونسون بكتاباتٍ لاذعة، منها انتقاده تدخّل الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، في مسألة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث كتب، بتعبيرٍ لا يخلو من عنصرية، أن "التراث الكيني في شخصية أوباما عزز مشاعره المعادية لبريطانيا"، مضيفاً أن "الرئيس نصف الكيني يكنّ كراهيةً للإمبراطورية البريطانية". وخلال معركة الاستفتاء، هاجم جونسون قادة الاتحاد الأوروبي، وقال إن مساعيهم إلى بناء "دولة أوروبا الكبرى" لا تختلف عن مشروع زعيم النازية، أدولف هتلر الذي حاول "إنشاء دولة أوروبية موحدة". ولم تنج وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة، هيلاري كلينتون، من جونسون السليط، عندما وصفها في مقالة في "التلغراف" بأنها "ممرضة سادية تعمل في مستشفى للأمراض العقلية". وحتى أنه تجرّأ على انتقاد إسرائيل، وندّد باستخدامها القوة المفرطة في أثناء حربها على غزة في العام 2014. وعندما صار رئيساً لحكومة بريطانيا، تم سؤاله عن إدانته عملية إسرائيل العسكرية ضد القطاع، أجاب: "بالنسبة لنا، نحن الذين ندعم إسرائيل بشكل دائم، نريدها أن تُظهر أكبر قدر ممكن من ضبط النفس في جميع أعمالها".

وعلى عكس ما حصل مع الإعلامي، وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، بعد بث تصريحات أدلى بها قبيل توليه منصبه، تتعلق بموقف شخصي، وليس موقفاً لبنانياً رسمياً، من الحرب الدائرة في اليمن، لم يتعرّض بوريس جونسون لأي حملات ضغطٍ أو تحريض. ولم تعترض أي من الدول أو الشخصيات التي طاولها جونسون بلسانه الطويل أو قلمه الحاد عندما عينته تيريزا ماي وزيراً للخارجية، ولم يطالب أحدٌ بإقالته. كما أن أيا من الدول لم تقطع علاقاتها مع بريطانيا عندما صار جونسون رئيساً لحكومتها. ثم إن أخذ لبنان بأكمله بجريرة مواطن واحد، بصرف النظر، صحافياً كان أو وزيراً، ومعاقبة البلد ومواطنيه بسبب رأي شخصي، يستدعي الكثير من التساؤل عن حقيقة ما يُقترف بحق لبنان. وهل تستحق كلماتٌ "غير رسمية" من إعلامي كل هذه العاصفة، أم أن ما خفي خلف الأكمة أعظم؟

تعيدنا هذه الأسئلة إلى مثل شعبي لبناني يقول "القصة مش ع الرمانة، بس القلوب مليانة". وحكاية هذا المثل تقول إن رجلاً تزوّج وسكن وزوجته مع أمه، حملت الزوجة وتوحمت على الرمان في غير موسمه. ذهب الزوج يبحث في أرجاء البلاد عن رمّانة توحّمت عليها زوجته، وعندما عثر على حبّة رمان واحدة أحضرها لها. فرحت الزوجة الحامل، وصارت تباهي أو تكيد حماتها بالرمانة، وخبّأتها في مكان خفي في المطبخ. بعد ذلك راحت الحماة تبحث عن الرمانة حتى وجدتها وأكلتها، وهنا انقضّت الزوجة على حماتها بالضرب المبرح، وهبّ الزوج والجيران لتخليص الأم من قبضة الكنّة، وتساءلت إحدى النساء: "كل هذه الطوشة على رمّانة"، فقالت الزوجة: "مش ع الرمانة لكن القلوب مليانة".

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.