كتابٌ يردّ الجميل للشعر

01 ابريل 2021
+ الخط -

وما زال السيد الشعر قادرا على إثارة الشهية من الشعراء والنقاد والباحثين والمتلقين للكتابة حوله وعنه وفيه بحثا عن ذلك السر الكامن وراء دهشته المستمرة منذ الأزل. ما زال السؤال عن ماهيته بلا إجابة حقيقية، على الرغم من كل المحاولات الدؤوبة. ربما لأن هذه الماهية الغامضة هي سرّه الوحيد، وربما لأن البحث في ما وراءها يمثل المتعة القصوى بالنسبة لكل من يتماسّ معه لذّة واستمتاعا.

وعلى الرغم من فشل كل المحاولات التي حاولت أن تعرّف السيد الشعر بما يمكن أن يكون التعريف الجامع المانع علميا وثقافيا، إلا أنها مستمرّة دائما، وخصوصا أن التفتيش بين ثنايا هذه المحاولات نفسها يمثل واحدا من جوانب جماليات الشعر، وكل ما يحيط به من ظلال لغوية وموضوعية وموسيقية أيضا.

يحاول الكاتب والشاعر علي المسعودي، في كتابه الجديد "ديوان العرب"، أن يقدّم رؤيته الخاصة لهذا الفن الإبداعي الإنساني، من خلال اجتهاد شخصي عميق، اعتمد، في تكوينه، على ذائقته أولا، كما يبدو، وعلى ما قرأ ودرس وبحث وقارن ثانيا. وعلى الرغم من أن المسعودي استهل كتابه باستهلال مكتنز بالأسئلة الوجودية والأجوبة الوجدانية حول الشعر، إلا أنه سرعان ما دلف لاحقا إلى رؤى معمّقة في الأسس والقواعد والنظريات.

في الاستهلال يتساءل ويجيب: "ما الشعر؟ كيف الشعر؟ من أين يأتي الشعر.. وإلى أين يذهب. الشعر.. الشعر .. الشعر.. السحر الذي نبحث عنه ونتمناه .. الطيران الخفيف للجسد والروح .. الحزن الشفيف الذي تصبح به الوجوه أجمل .. الجرح الطفيف .. الذي تبرأ به الأوجاع .. أغنية أم غاب وليدها .. هجينية أب أخذته الغربة .. أحدية فارس يبحث عن بطولة.. تنهيدة عاشقة دستها وراء ستارة الزمن لئلا يراها حرّاس المشاعر؟". وبعد هذا الاستهلال الشاعري الأنيق، يطوف بنا المسعودي في آفاق مفتوحة ما بين التعريف والنظرية والحكاية والرأي والقصيدة، قبل أن يعود، في مساحة الاستهلال نفسها، ليعرف بكتابه: "هنا أقدّم بحثا يتتبع ما هيأ للشعر أن يكون ديوان العرب؛ أبدأ به من حيث يجب أن يبتدئ الكلام. وقد اصطفيت كتبا محدّدة من بين الكتب الكثيرة، حتى لا أتشعب في الأودية وأتيه في المجاهيل.. وأسقط في حفرة من حفر الجهل، ولأركز في الفكرة الرئيسة، لعل هناك من يبني على هذا الجهد فيجعله أكثر ثراء.. ويغطي الجوانب التي تمتد إليها اليد".

وقد ركّز المؤلف فعلا في الفكرة الرئيسة لكتابه، باعتباره بذرةً لما سيأتي بعدها، محافظا على سلاسة المنهج الذي اعتمده لنفسه منذ البداية، حيث قسم كتابه على سبعة مباحث رئيسة: الشعر في القرآن الكريم، الشعر في أسباب النزول، دور الشعر في التفسير، الشعر في السنة النبوية، ما يجوز من الشعر والرجز والحداء، ما جاء موزونا في القرآن، في فضل الشعر. ثم أكمل مباحثه في ما قالوه عن الشعر نثرا، ثم في ما قالوه عن الشعر شعرا.

وفي كل تلك المباحث وما تلاها، لم يتخلّ المسعودي عن لغته الرصينة الجميلة، ولا عن أسلوبه العلمي الهادئ، فبدا الكتاب قطعةً من الجمال والسحر، تقارب الشعر وتجانس النثر، وإن كان مبتسرا في بعض مواضعه التي من الواضح أن الكاتب كتبها على عجلة من أمره، أو جعلها بداية فقط لما يمكن أن يبنى عليها. ويبدو أن الكاتب كان حريصا على أن يبعد كتابه عن ثقل الكتب العلمية، من دون أن يفقده ما يميزها من رصانة. ولذلك لجأ إلى تلك التطعيمات الشعرية والنثرية الثرية، بالإضافة إلى جمال اللغة الأخّاذة، حتى في أصعب مواضع النظرية فيه.

في إهدائه الشخصي لي، كتب المسعودي إن الكتاب "بحث.. أشبه بمحاولة ردّ الجميل للشعر.. الذي طبطب كثيرا على قلوبنا لحظة انكسار". وما أجملها من محاولة.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.