كاسترو و"أديداس".. والبابا

28 سبتمبر 2015

كاسترو بقميص أديداس بمنزله في هافانا مع البابا (سبتمبر/2015)

+ الخط -
ليس شأناً ذا بال لدى شركة أديداس أن فيديل كاسترو يرتدي بذلة رياضيةً من منتجاتها، وهو يُجالس، في منزله في هافانا، البابا فرانسيس، فلن تُحسب للأمر جدوى دعائية لشركةٍ زادت أرباحها أخيراً على 13 مليار يورو، عدا أن الزعيم الكوبي المسن (89 عاماً) بلا أي جاذبية راهنة، ولم يعد قادراً على الخطابة تسع ساعات، على ما كان يفعل، أحياناً، ولم تعد قصص نجاته من 836 محاولة اغتيال، على ما ذاع، تثير فضولاً. أما زيارات صحافيين له في منزله الأشبه بمصحة، بين وقتٍ وآخر، فإنما للتذكير بالمتحفيّة التي آل إليها الرجل، وقد حكم كوبا 49 عاماً، ثم أورثها لوزير الدفاع في حكوماته، شقيقه راؤول، بعد نازلةٍ صحيةٍ قبل تسعة أعوام. ولكن، يمكن التأشير في لقائه البابا، ثلاثين دقيقة، تحدّثا فيها عن شؤون العالم و"حماية البيئة!"، وهو يلبس بذلة "أديداس" زرقاء، إلى حزمةٍ من المغازي، يتقدمها أن الشركة الشهيرة متعددة الجنسيات، وواحدةٌ من عناوين نفوذٍ للرأسمالية في ذرى نجاحاتها، ليس الماليّة فقط، بل أيضاً في حضورها الشاسع في مختلف الثقافات والأعراق والعقائد، في تظهيرٍ شديد السطوع للعولمة التي في وسعها أن تنفذ إلى منزلٍ في هافانا، للزعيم الشيوعي العتيد، والثوري الأممي الذي صعد ببيارق الاشتراكية، في طورٍ غير منسيٍّ من خرافاتها، إلى مرتبة الاعتداد بها خلاصاً تحتاجه الإنسانية. 

تتنوّع قمصان "أديداس" وبذلاتها وألوانها وتنويعاتها لدى فيديل كاسترو، ما يعني ولعاً فيه تجاه هذه الألبسة المريحة، كأنها تشيع فيه هناءةَ بالٍ يعوزُها، وهو الذي قالت عنه ابنته التي انشقت عنه، (كما ابنة ستالين) وهربت من كوبا بجواز سفر مزور، قبل 22 عاماً، إنه "يحب الشوكولاته ذات الشهرة الأرستقراطية". رأيناه يلبس "أديداس" في جلسته مع جيمي كارتر مرّة، ومرّات في أثناء مطالعاته جرائد واستقبالاته زوّاره. وبدت صوره، في هذا كله، تفضح انتصار الرأسمالية عليه، بعد أن بلغت خيباتُ الكوبيين مما غالبوه، في ظله الاشتراكي، ذي السمت الاستبدادي، حدوداً مقلقة، من تفاصيلها أن كوبا تستورد 80% من احتياجاتها الغذائية، فاضطر الزعيم الشيوعي، ثم شقيقه الوريث، إلى "إصلاحاتٍ" تتخللها شبهاتٌ رأسمالية، وإنْ تحت وطأة حصار أميركي مشدّد، يجعل هافانا تطالب واشنطن، وقد عادت الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية بينهما أخيراً، بتعويضات تبلغ 300 مليار دولار (!). وما كانت هذه العودة لتتحقق، لولا جهودٍ للبابا فرنسيس، ضيف الأخوين كاسترو الأسبوع الماضي.
لم تعد الولايات المتحدة عدواً، وكان رئيس كوبا السابق، وقائد ثورتها الظافرة في 1959، قد سمّاها، ساخراً، شركة الفواكه المتحدة. كما لم يعد مسموحاً، ولا الصمت جائزاً عنه، تغييب الدين من الحياة، ونفي الكهنة والقساوسة وسجنهم وإغلاق الكنائس واضطهاد المتدينين، كما ظل كاسترو يفعل في عقود سطوته في البلاد، وهذا البابا فرنسيس يطالب، الأسبوع الماضي، في هافانا نفسها، بمزيدٍ من الحريات للكنيسة الكاثوليكية التي صارت لها قوة مشهودة. وفي البال أن الفاتيكان أوْلى كوبا اهتماماً خاصاً، فقد زارها البابا السابق، بنديكت السادس عشر، وكذا سلفه يوحنا بولس الثاني الذي أسمع الكوبيين، في 1998، دعوتَه لهم بالانفتاح على العالم، لينفتح العالم عليهم. ولا شطط في الزعم أن تلك العظة تبدّت، لاحقاً، خريطةَ طريق غير معلنة للأخوين كاسترو، ليس فقط بالشغف بألبسة "أديداس"، بل أيضاً بالذي نرى من جرعاتٍ رأسمالية متسارعة، في الدولة وأنظمتها الاقتصادية والزراعية، وعموم الخطط الحكومية، وإنْ تبقى الحاجة إلى بعض الوقت، لتحرّر البلاد من حكم الحزب الواحد، والنهج الشمولي قليل الحساسية تجاه حريات الأفراد وأمزجتهم.
"ليس هناك مستحيل" واحدٌ من شعارات "أديداس" في تسويقها جديد منتجاتها وموضاتها. ونظنّه ليس مستحيلاً أن نُصادف غورباتشوف آخر في كوبا، يُعتقها من مواريث الكاستروية الباهظة، والتي تتآكل هناك ببطء. ربما بعد رحيل صاحبها، والأعمار بيد الله.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.