22 نوفمبر 2024
قلقٌ مطلوبٌ في الأردن
كان في وسع سلطات الأمن الأردنية أن تُبقي على رواية الاشتباه بأن حادثا، بسبب عبوة غاز، وراء انفجارٍ في سيارة شرطةٍ مساء يوم الجمعة الماضي، في مدينة الفحيص قرب عمّان، قضى فيه عسكريٌّ وأصيب ستة من زملائه، كان في وسعها ذلك فلا توضح، في صباح اليوم التالي، ما انكشف لديها أن الحادث مدبّر، "وعملٌ جبان"، ونجم عن عبوةٍ ناسفةٍ، بدائية الصنع، غير أنها آثرت تنوير الرأي العام المحلي بهذا المُعطى المُقلق، في موسمٍ سياحيٍّ، وفي غضون مهرجان الفحيص الفني والترفيهي والمنوّع. ثم ساعاتٍ بعد ذلك، وجد الأردنيون أنهم، حقّا، ليسوا في مأمنٍ تام من كمائن الإرهاب، فقد قضوا الليلة قبل الماضية في متابعة عمليةٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ حسّاسةٍ، لمداهمة مجموعةٍ إرهابيةٍ، في مبنىً تحصّنت فيه في مدينة السلط، واستمرّت طوال الليل، وسقط في أثنائها أربعة عسكريين، وأعلنت الحكومة عن القبض على خمسة إرهابيين من المجموعة، ومقتل آخرين. وقبل أن تعلن، اليوم الاثنين كما هو مقرّر، تفاصيل عن هؤلاء المجرمين، وقبل أن تُتاح معلوماتٌ وافيةٌ بشأنهم، وما يتعلق بأغراضهم، وما إذا كانوا على صلةٍ بحادث سيارة الشرطة في محيط مهرجان الفحيص، وما إذا كان توقيتُ تدبيرِهم، غير المنكشِف تماما بعد، يتّصل بـ "فتاوى" كانت قد ظهرت أخيرا، وتحرّم المهرجانات الفنية، قبل أن تتيسّر كل هذه التفاصيل (وغيرها)، فإنّ لا شيء يُمكن أن يُدلي به معلقٌ، عدّته معلوماتٌ شحيحةٌ كما صاحب هذه الكلمات، غيرَ القلق مما هو أكبر من هذا كله، لا سمح الله، على الأردنيين وبلدهم.
شمالا، في إربد، جرت في مارس/ آذار 2016، عملية مواجهةٍ مع مجموعةٍ إرهابيةٍ مسلحةٍ، قتل سبعةٌ من أفرادها، وقضى في الأثناء ضابط، وقالت السلطات إن المجموعة كانت تخطّط لاستهداف شخصياتٍ عسكريةٍ ومدنيةٍ ومواقع حسّاسة. ثم جنوبا في الكرك، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، تمكّنت مجموعةٌ إرهابيةٌ مسلحةٌ من التحصّن في القلعة التاريخية في المدينة، بعد مواجهة أفرادٍ منها في منزلٍ كانوا فيه، وجرت مواجهةٌ معهم، سقط في أثنائها سبعة عسكريين، بينهم ضباط. والآن، في الوسط، في السلط، تستجد واقعة الليلة الماضية، بعد نحو عامين (يونيو/ حزيران 2016) من اعتداءٍ مسلّحٍ على مكتبٍ لجهاز المخابرات الأردنية في مخيم البقعة، في محافظة البلقاء التي تضم السلط نفسها، وقتل فيه خمسة من عناصر المكتب. ومما يؤشّر إليه تتابعُ هذه الأحداث أنها توزّعت جغرافيا في شمال الأردن وجنوبه ووسطه، وأن العناصر المسلحة استهدفت فيها الأجهزة الأمنيّة، ما يعني أنها تقصّدت الدولة الأردنيّة في أشدّ مواضعها حساسيةً، ولم تنحُ إلى استهداف المجتمع والمواطنين. كما يمكن القول إن يقظة الأجهزة المختصّة لم تعد العنصر الوحيد والكافي في مواجهة هذه "الخلايا" الإرهابية النائمة، أو الكامنة، أو المتحفّزة، أو المخادعة، وإنما ثمّة ضرورةٌ خاصة لانتباهةٍ مجتمعيةٍ ومواطنيّةٍ لوجود عناصر ذات نزعاتٍ متشدّدةٍ وتكفيريّةٍ، وداعشيةٍ طالما أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو من أعلن مسؤوليّته عن جريمة الكرك. وأن يؤشّر الملك عبدالله الثاني، ظهيرة أمس الأحد، إلى "الفكر الظلامي" الذي يقف جميع الأردنيين ضده، وقبل أن تذيع السلطات المختصّة ما لديها عن عناصر واقعتي الفحيص والسلط، فذلك مما يعني أن منطق "الفزعة"، والذي يتوسّل الرومانسيات والإنشائيات والرطانات الوطنية، في لحظات القلق الأمني، ليس هو المطلوب أبدا، وإنما الاسترشاد بمعالجاتٍ أخرى.
ليس الأردن في منجاةٍ مما تدبّره خفافيش الإرهاب إيّاه، وليست منسيّةً موقعة الفنادق الثلاثة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 في عمّان، ولا تنمحي من ذاكرة هذا البلد أن "داعش" عندما أقدم على حرق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، في 2015، أرفق جريمته المروّعة تلك بتهديدٍ ووعيدٍ للأردن ثقيليْن. وبقياس الشاهد على الغائب، ليس اختراعا للبارود أن يذهب واحدُنا إلى أن حادثتي الفحيص والسلط، المتتاليتين، والموصولتين ببعضهما ربما، موصولتان حتما بسوابقهما في البقعة وإربد والكرك.. وهذا باعثٌ على أن يكون القلق في الأردن، وعليه، مطلوبًا.