11 نوفمبر 2024
قضية خاشقجي.. الإعلام فقط
باستثناء تصريحٍ مقتضبٍ باسم الرئاسة التركية، إن بلاده تتابع واقعة اختفاء الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، في اليوم الثاني على ذيوع النبأ، لم يصدُر تاليا عن السلطات التركية المختصة أي بيانٍ أو تصريحٍ رسميٍّ يشتمل على أي تفاصيل تضيء على الحدث. ولمّا سئل الرئيس رجب طيب أردوغان في هذا الشأن رد بأن عملية التحقيق جارية. تُركت المهمة لصحفٍ تركيةٍ وأميركيةٍ ولوكالات أنباء عالمية غير قليلة، مضت في نشر ما اعتُبرت تسريباتٍ من مصادر أمنيةٍ تركيةٍ مختصة، وتضمنت معلوماتٍ مفزعةً وشديدة الخطورة، دلّت كلها على أن جريمة قتل مهولةٍ ارتُكبت بحق الكاتب المرموق، وتوالى ضخّ هذه المعلومات في "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، وكلها أكّدت حدوث الجريمة المروّعة في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، كان من تفاصيلها استخدام مناشير في تقطيع جثة خاشقجي، ونقلها في صناديق، وغير ذلك من أنباء تبعث على الرعب، وتشيع في النفس سويداء حادّة. واستفاضت صحف تركية في الكشف عن وصول خمسة عشر سعوديا من أجهزة استخبارية وذوي صلة مباشرة بولي العهد، محمد بن سلمان، إلى إسطنبول في يوم الواقعة الدامية.
كنا طوال الأسبوعين الماضيين نتلقّى هذا الفائض من المعلومات من وسائط الإعلام والصحف، منسوبةً إلى مصادر تركية. وقد بدا أن دوائر عليا في مؤسسات صناعة القرار في واشنطن عرضةٌ أيضا لما تشيعه الصحافة، وأن المعلومات الرسمية الموثّقة المؤكّدة لديها من الجهات التركية المختصة شحيحة. وقد عنى ذلك كله أن نُترك جميعنا تحت ضغط الإعلام وحده، ليتوّلانا، ويستثير مشاعرنا الساخطة، فيما السلطات المعنية إذا ما بادرت متأخرةً، بعد أيام، إلى نشر بعض ما لديها، وهو كثيرٌ كما راج، فإن في وسعها أن تذيع ما تريد فقط، وليس بالضرورة أن يكون متوافقا مع كل تلك المعلومات التي فاضت في "تسريباتٍ" بدا أحيانا أنها أكثر من اللزوم، وأنها ذات وظائف ورسائل سياسية معينة أكثر منها أخبارا يجري حرصٌ على إبلاغ الرأي العام بها.
مؤدّى هذا كله أن للإعلام سلطته الباهظة، وأن إتقان الأداء المحسوب في مزاولته هو ما ينجح في إحداث التأثير المتوخّى منه، فلم نكن، نحن الجمهور العربي العام، ليغشانا الذهول المهول من فداحة إخفاء الصحافي السعودي الزميل، ولم تكن لتستبدّ بنا مشاعر التعاطف المستحقّة مع الرجل في محنته الجسيمة، بل لم يكن للجريمة الموصوفة أن تحتلّ أوقاتنا وجوارحنا، لو أن بعض الإعلام العربي المرئي، سيما قناة الجزيرة وتلفزيون العربي، عزف عن مهمّته الأساس، وهي تنويرنا، نحن النظّارة، بما جرى وكيف جرى وما يقال وما يذاع في شأنه. وإذا كانت قنواتٌ وتلفزاتٌ عربيةٌ عديدة آثرت التعامي عن فداحة الحادثة في القنصلية السعودية في إسطنبول، بل وانصرفت إلى التبخيس من قيمة جمال خاشقجي، بالتشنيع عليه، والمضي في معزوفة الكلام الساقط عن إعلام قطري وإخواني يستثمر الحادثة، فإن هذه القنوات أصلا دأبت على المكوث في التفاهة في شؤونٍ وموضوعاتٍ بلا عدد، فلم يكن منتظرا منها أن تكترث بمسألة تغييب صحافي عربي، دخل قنصليةً لبلاده من أجل تسلم ورقةٍ تخصّه ولم يخرج.
ويبقى، على أي حال، أن ما أحاط بقضية تغييب الصحافي المحترم جمال خاشقجي، على صعيد متابعتها إعلاميا، يصلح لدرس مقطعٍ مهم من اشتباك السياسي بالإعلامي. ويصلح أيضا في التدليل على انتحار مهنة الإعلام نفسها في أداء مؤسساتٍ وقنواتٍ وصحفٍ عربيةٍ طالما توّهمت أن لها تأثيرا وحضورا، فيما غادرت شرطا أساسيا في أي أداءٍ إعلامي، وهو الشعور بالحس الإنساني والأخلاقي، الأمر الذي غاب تماما في التعامل مع الذي تعرّض له خاشقجي. أما اعتصام الجهات التركية الرسمية بالصمت، بالتوازي مع إعطائها صحفا ووكالات أنباء معلوماتٍ وفيرة، كلها فظيعة، عدا عن تفاصيل ميدانية وإجرائية وبوليسية، فأمرٌ درسُه طويل، وعويصٌ ربما.
كنا طوال الأسبوعين الماضيين نتلقّى هذا الفائض من المعلومات من وسائط الإعلام والصحف، منسوبةً إلى مصادر تركية. وقد بدا أن دوائر عليا في مؤسسات صناعة القرار في واشنطن عرضةٌ أيضا لما تشيعه الصحافة، وأن المعلومات الرسمية الموثّقة المؤكّدة لديها من الجهات التركية المختصة شحيحة. وقد عنى ذلك كله أن نُترك جميعنا تحت ضغط الإعلام وحده، ليتوّلانا، ويستثير مشاعرنا الساخطة، فيما السلطات المعنية إذا ما بادرت متأخرةً، بعد أيام، إلى نشر بعض ما لديها، وهو كثيرٌ كما راج، فإن في وسعها أن تذيع ما تريد فقط، وليس بالضرورة أن يكون متوافقا مع كل تلك المعلومات التي فاضت في "تسريباتٍ" بدا أحيانا أنها أكثر من اللزوم، وأنها ذات وظائف ورسائل سياسية معينة أكثر منها أخبارا يجري حرصٌ على إبلاغ الرأي العام بها.
مؤدّى هذا كله أن للإعلام سلطته الباهظة، وأن إتقان الأداء المحسوب في مزاولته هو ما ينجح في إحداث التأثير المتوخّى منه، فلم نكن، نحن الجمهور العربي العام، ليغشانا الذهول المهول من فداحة إخفاء الصحافي السعودي الزميل، ولم تكن لتستبدّ بنا مشاعر التعاطف المستحقّة مع الرجل في محنته الجسيمة، بل لم يكن للجريمة الموصوفة أن تحتلّ أوقاتنا وجوارحنا، لو أن بعض الإعلام العربي المرئي، سيما قناة الجزيرة وتلفزيون العربي، عزف عن مهمّته الأساس، وهي تنويرنا، نحن النظّارة، بما جرى وكيف جرى وما يقال وما يذاع في شأنه. وإذا كانت قنواتٌ وتلفزاتٌ عربيةٌ عديدة آثرت التعامي عن فداحة الحادثة في القنصلية السعودية في إسطنبول، بل وانصرفت إلى التبخيس من قيمة جمال خاشقجي، بالتشنيع عليه، والمضي في معزوفة الكلام الساقط عن إعلام قطري وإخواني يستثمر الحادثة، فإن هذه القنوات أصلا دأبت على المكوث في التفاهة في شؤونٍ وموضوعاتٍ بلا عدد، فلم يكن منتظرا منها أن تكترث بمسألة تغييب صحافي عربي، دخل قنصليةً لبلاده من أجل تسلم ورقةٍ تخصّه ولم يخرج.
ويبقى، على أي حال، أن ما أحاط بقضية تغييب الصحافي المحترم جمال خاشقجي، على صعيد متابعتها إعلاميا، يصلح لدرس مقطعٍ مهم من اشتباك السياسي بالإعلامي. ويصلح أيضا في التدليل على انتحار مهنة الإعلام نفسها في أداء مؤسساتٍ وقنواتٍ وصحفٍ عربيةٍ طالما توّهمت أن لها تأثيرا وحضورا، فيما غادرت شرطا أساسيا في أي أداءٍ إعلامي، وهو الشعور بالحس الإنساني والأخلاقي، الأمر الذي غاب تماما في التعامل مع الذي تعرّض له خاشقجي. أما اعتصام الجهات التركية الرسمية بالصمت، بالتوازي مع إعطائها صحفا ووكالات أنباء معلوماتٍ وفيرة، كلها فظيعة، عدا عن تفاصيل ميدانية وإجرائية وبوليسية، فأمرٌ درسُه طويل، وعويصٌ ربما.