قضايا بايدن في المنطقة
شكّكت آراء سياسية ودبلوماسية عديدة بالطريقة التي تتبعها الولايات المتحدة لتقوية تحالفاتها في الشرق الأوسط، فزيارة الرئيس بايدن تهدف أولاً إلى إعادة الاستثمار في منطقةٍ سبق أن أعلن الانسحاب منها، وتفويض قوى إقليمية بشأنها. المفارقة هي المساعي الأميركية لإنشاء "تحالف سُنّي" ضد إيران، وإلى تحقيق تقارب حقيقي بين الدول العربية وإسرائيل وتركيا، لمواجهة أطماع إيران في الشرق الأوسط.
الجميع يتفكّر، جيداً، في أن الانسحاب الأميركي الذي أُعلن لا يعني اختفاء الدور الأميركي، وأن هدف زيارة بايدن إعادة الثقة بين واشنطن ودول المنطقة، من أجل نجاح التحالفات الثنائية لمواجهة التحدّيات التي تفرضها الصين وروسيا. والمدخل إلى ذلك إعادة إصلاح العلاقة مع الحليفين الرئيسيين/ الاستراتيجيين للولايات المتحدة، إسرائيل والسعودية. لن تحقق الرحلة الأولى لبايدن رئيساً باتجاه الشرق الأوسط تقدّماً دبلوماسياً كبيراً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي شغل الإدارات السابقة. والأجواء هي احتدام المواجهات القطبية، وتسبب الحرب الأوكرانية بارتفاع أسعار النفط عالمياً، وتأثير ذلك في الركود الاقتصادي وارتفاع أصوات احتجاج المستهلك الأميركي على أبواب معركة انتخابية يستعدّ لها الديمقراطيون جيداً. وواضح من تصريحات بايدن في تل أبيب أنه رمى الملفّ الفلسطيني إلى أسفل الدرج.
تواكب زيارة بايدن شكوك إقليمية، من نوع لماذا لم تشمل مصر وتركيا؟
الى أي مدى يمكن أن يذهب بايدن وولي عهد السعودية، محمد بن سلمان؟ وما الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية؟ في المقابل: هل ستحقق الشروط التي عبّر عنها بن سلمان في مقابلته، أخيراً، مع مجلة "ذا أتلانتيك"، وفي لقاءاته مع المسؤولين الذين زارهم أخيراً، وقد راوحت هذه الشروط قبل الزيارة بين بيع المملكة مزيداً من الأسلحة الأميركية، تساعدها في حربها في اليمن، وفي التصدّي لنوازع إيران التوسعيّة، ورفع مسألة حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية عن مقدمة جدول أعمال زيارة بايدن؟ والرئيس بايدن في المنطقة هو غير بايدن المرشّح لرئاسة الولايات المتحدة، الذي اتهم المملكة بـ"تجاوزات في اليمن"، ودعا إلى التعامل مع المملكة "على أنها منبوذة وسط أدلة متزايدة على أن المسؤولين السعوديين كانوا وراء اغتيال الصحافي المعارض جمال خاشقجي في تركيا عام 2018". ما قبل الزيارة غير ما بعدها. الرئيس مدفوع إلى التخلي عن التوصيفات التي أطلقها ذات مرة "المعركة هي بين الديمقراطيات والأنظمة الشمولية، هي المبدأ الموجه لسياسات أميركا الخارجية"، فالمنطقة تشتعل بقضايا معقّدة أكثر.
تراجع دبلوماسي أميركي فرضته ظروف المتغيرات، وهذا لا يعني انقلاباً في السياسة الأميركية التي تتصف بالواقعية السياسية، فالسعودية قد توافق على تسريع إنتاج النفط للمساعدة في تعويض الإنتاج المفقود بسبب العقوبات الأميركية على روسيا. وساعدت أميركا السعودية، في المقابل، في تمديد الهدنة بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والمتمرّدين الحوثيين. مع ذلك، إدارة بايدن أمام تحدّي ضمان دعم الرياض الإجراءات الأميركية المتشدّدة تجاه كل من روسيا والصين، وهذا ما يقلق الرئيس الروسي بوتين. هذه هي الصفقة الأساسية، مسألة تزويد المملكة بالأسلحة والتنسيق لحمايتها من إيران ووكلائها، وضبط الترتيبات الأمنية متفق عليه قبل الزيارة. يبحث السعوديون عن الأكثر، عن مزيد من المعدّات الدفاعية، بما في ذلك أنظمة باتريوت المضادّة للصواريخ، وضمانات أمنية جديدة، والمساعدة في برنامج نووي مدني. مقابل ذلك، تلتزم السعودية اتفاقاً أوسع لأمن الطاقة، علماً أن الزيارة تجري في إطار اجتماع أوسع لمجلس التعاون الخليجي. المعلن دفاع فريق الرئيس بايدن عن التواصل مع السعودية، وأنه "جزء من السلام في الشرق الأوسط".
المشكلات أكبر من أن تُلتقط دولياً وإقليمياً بنرجسية سياسية
زيارة الرئيس بايدن المنطقة مهمة، تستند إلى استعداد المملكة لاستئناف دورها، وهي بدأت كمورد نشط، المصدر المركزي للنفط، مع أن ردّة فعل السوق النفطية لجهة انخفاض أسعار النفط بطيئة بانتظار مؤشّرات أخرى. كانت "أوبك +" قد تعهّدت بزيادة تقدر بـ648 ألف برميل خلال يوليو/ تموز الجاري، كان مخصّصاً لها بالفعل. لكن صافي الزيادة هو 216 ألف برميل. مع ذلك، تواكب زيارة بايدن شكوك إقليمية، من نوع لماذا لم تشمل مصر وتركيا؟ وكانت قد استبقت الزيارة، على طريقتها بإعلان بدء تنفيذ خطة بناء مفاعل نووي، مدني لأغراض الطاقة مع الجانب الروسي بكلفة 21 مليار دولار. مشروع أُعلن قبل سبع سنوات. ومع العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا، قد تستغرق مراحل تنفيذه وقتاً طويلاً. وتناور تركيا في مشاركتها في قمة الرئيسين، الروسي بوتين والإيراني رئيسي، المقبلة في طهران، وتستخدم أقصى أنواع البراغماتية النفعية. المهم ألا يخطئ بايدن، ويكرر عبارة قالها بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان: "كنت واضحاً في أن حقوق الإنسان ستكون محوراً لسياستنا الخارجية". وهذه الحرب في أوكرانيا تجاوزت مسألة الفلسفة الديمقراطية المثالية، وستضطرّ البيت الأبيض إلى إعادة التفكير في أجندة السياسة الخارجية الأصلية، واختبار الدبلوماسية الأميركية المجرّبة خلال الأزمات، وحقيقة التزامها ليس فقط بالدفاع عن المملكة، ولكن أيضاً بالحلول الدبلوماسية لأزمات وحرائق إقليمية متعددة.
جاءت إدارة بايدن إلى السلطة، وهي تتحدّث عن "تصفير" فوضى مشكلات سبّبها الرئيس السابق ترامب، وعن انتهاء عصر النفط، وعن نموذج سياسي جديد، ومحور رئيسي للتوجه آسيوياً. وواضح أن المشكلات أكبر من أن تلتقط دولياً وإقليمياً بنرجسية سياسية، فالخطر الداهم أميركياً، تغلغل الصين وروسيا في أفريقيا والشرق الأوسط.