قدرات المقاومة الفلسطينية من منظورات إسرائيلية
لدى متابعة ما يعلّق به المحلّلون في إسرائيل على النتائج التي تمخضت عنها الحرب على قطاع غزّة، مع انتهاء يومها الـ74 أمس الثلاثاء، يمكن استقراء خلاصات من شأنها أن تعكس ما كان، بمنأى عن مقاصد أولئك المحللين المُعبّئين في معظمهم إلى جانب الحرب، ومن خلال التزام صارم بما يشفّ عنه النصّ. ولا يهمّني أن أركّز على فضح معظم هؤلاء الكذب الإسرائيلي المتفق عليه بأن عامل الوقت غير مهّم، فهو قد بات سرًّا مفضوحًا، وإنمّا على ما واجهته إسرائيل في خضم حربها والذي يعكس، وإن ضمنيًّا، قدرات المقاومة. وبمدى ما تتيح المساحة هنا أتوقف عند مسألتين:
الأولى، تتعلّق بما تسمّى خطة المناورة البرّية التي كانت موضع خلافات داخليّة منذ أكثر من عقدين. ولعلّ أهم ما جرى تأكيده بشأنها ما بدر عن الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والمدير الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، اللواء احتياط تمير هايمان، والذي أقرّ، قبل أيام، بأن المعارك التي تتم وجهًا لوجه يتضاءل فيها التفوّق النسبي للجيش الإسرائيلي في مواجهة حركة حماس. وهو ما يقرّ به أيضًا المحلل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل، الذي كتب أنه خلال الوجود الطويل في الميدان تصبح القوة العسكرية الإسرائيلية مكشوفةً وعرضةً للهجوم، وتُحرَم من التفوّق النسبي الناجم عن التحرّكات بوتيرة عالية، ويسيطر الغموض على صورة القتال. ويؤكد كلاهما، وكذلك المحلل العسكري لصحيفة معاريف طال ليف رام، والمحلّل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت نداف إيال، أن موضوع الأنفاق الاستراتيجية كان من أبرز المفاجآت. وينقل الأخير على لسان أحد أعضاء "كابينيت الحرب" الإسرائيلي قوله إنه لا توجد بعد إجابة قاطعة ونظرية قتالية للتعامل مع هذه الأنفاق، وأنه "ما دام لا يوجد حلّ بعد، فنحن في معضلة". واختار ليف رام أن ينوّه بأنه لا صحّة للزعم الإسرائيلي أن الضغط العسكري يؤثر في حركة حماس، ولا سيما في ما يتعلق بقضية الأسرى والرهائن، فهذا الضغط غير ملموس بتاتًا لا في سلوك قادة الحركة، ولا في كل ما يرتبط بتقدّم موضوع إطلاق المخطوفين. وارتأى أن يضيف أن مراكز الثقل الرئيسية للمقاومة موجودة في خانيونس وجنوب قطاع غزّة عمومًا. وبالرغم من ذلك، لا تزال غالبية وحدات الجيش الإسرائيلي تقاتل في شمال القطاع.
المسألة الثانية، مدة الحرب، وتواتر الجدل بشأنها، على الرغم من إعلان كبار مسؤولي الإدارة الأميركية السياسيين والأمنيين أنهم ليسوا في وارد إملاء جدول زمني على إسرائيل. في المقابل، يلوّح أكثر من مسؤول إسرائيلي أو قائد عسكري سابق في وجه الولايات المتحدة بأن مواجهتها تنظيم داعش في الرّقة استغرقتها ثلاثة أعوام. ووفقًا لما يُنشر على لسان مصادر إسرائيلية يمكن عدّها مطلعة، فإن العملية العسكرية البريّة المكثفة التي تقول إسرائيل إنها تقوم بها في الوقت الحالي في شمال القطاع وخانيونس، وستنتقل تدريجيًا إلى أبعد جنوبًا، ما زالت تحتاج إلى لا أقلّ من ثلاثة شهور بالحدّد الأدنى، لتتلوها مرحلة أخرى ستكون أقلّ كثافة من حيث كمية القوات وعمليات إطلاق النار، على ما يؤكّد اللواء احتياط يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، وأحد المستشارين العسكريين لرئيس الحكومة نتنياهو، وسوف تستمرّ هذه المرحلة برأيه حتى آخر عام 2024 المقبل، "ساعة نهاية الحرب".
الأكيد أن قدرات المقاومة في قطاع غزّة ستبقى بمثابة الشغل الشاغل لمزيد من المحلّلين الإسرائيليين، كونها "جعلتها تتحدّى أقوى دولة في الشرق الأوسط من دون أن تظهر علامات استسلام"، كما قال عميدرور المذكور. والحقّ أن المقاومة كانت كذلك في السابق أيضًا، وجعلت عددًا من أولئك المحلّلين يكرّر أنه منذ أول مواجهة بين الجانبين ما انفكّت تنشأ المشكلة نفسها: نعرف كيف نبدأ، ولكن لا نعرف كيف نخرج!