في لحظة زمنية معكوسة

26 مارس 2022

هل ثمّة كوكب موازي لكوكبنا الأرضي؟ (Getty)

+ الخط -

تخيّل أنك تنظر في المرآة، وترى نفسَك منعكسةً عليها، ولكن في لحظة زمنية مختلفة، فبدلا من أن تكون شخصا في الستين تجد نفسك الشخص نفسه بالملابس نفسها بالمكان نفسه، لكنك في العشرين من العمر، ولن يكون ذلك خيالا أو وهما أو رغبةً في العودة إلى الشباب، بل هذه إحدى الفرضيات العلمية عن الكون التي يحاول العلماء حاليا إثباتها، ومختصرها يقول: "إن لكوكبنا توأما يسير إلى الوراء في الزمن، كونا مضادّا يعود إلى الوراء في الزمن قبل الانفجار العظيم، حيث كان الكون المبكّر صغيرا وساخنا وكثيفا ومنتظما، إلى درجة أن الوقت يبدو متماثلا بالتقدّم إلى الأمام والخلف".

توأمة الكوكب، كما يفترضها العلماء، تعني توأمة كل ما يتعلق به، لكن بشكل معكوس، ما يعني أن حياة الشخص تبدأ من الشيخوخة، لا من الطفولة، وتنتهي في الطفولة، لكن هذا يلزمه عمر محدّد لبدء الحياة، موازٍ لعمر الجنين لحظة خروجه من الرحم، حيث يبدأ عمرُه بالساعة ثم يوم ثم أسبوع وهكذا. في الكوكب التوأم ربما سيكون عمرُه لحظة وجوده على الكوكب تسعين عاما، ويموت، بشكل طبيعي، وعمره دقيقة. لكن القياس لن يكون هكذا حتما، هذا معيارنا نحن، وتخيّلنا ما يمكن أن يكون عليه الحال في الكوكب التوأم، الذي يفترض أن يكون ممتلئا بنا، ولكن بزمن معكوس، الأحداث نفسها، وكذا التفاصيل والأشخاص الذين يأتون إلى الحياة ويرحلون، الطبيعة نفسها وحجم المياه نفسه، والمساحات المأهولة نفسها، وتلك التي لا تصلح للحياة، شركاؤنا أنفسهم في الكوكب، حيوانات وحشرات ونباتات، كل شيء نفسه، غير أن اللحظة الزمنية سوف تكون أخرى.

يتذكّر محبّو السينما فيلم "الحالة المحيرة لبنجامين" الذي أنتج عام 2008، من بطولة براد بيت وكيت بلانشيت وإخراج ديفيد فينشر. ربما هو أفضل الأمثلة عما ستكون عليه حال البشر لو أن الفرضية العلمية السابقة ستكون صحيحة، لكن حالة بنجامين المحيرة جاءت من كونه مختلفا عن باقي البشر، حيث ولد وهو عجوز، ومات وهو طفل رضيع بين يدي المرأة التي أحبها، والتي كانت حفيدة صديقه، مفارقات حكاية بنجامين وحالته أتت من أنها خارج السياق المعتاد والطبيعي لحياة الآخرين، ما عرّضه لمواقف خارجة أيضا عن السياق. لكن، ماذا لو كان سياق الحياة هو ذاته ما عاشه بنجامين؟

دعونا نتخيل كيف سيكون شكل الحياة في الكوكب التوأم لو أن الفرضية أصبحت حقيقة؛ حينما نتقدّم في السن، ونبدأ في مراجعة ما فعلناه في حياتنا، نندم على كثير مما فعلناه، ونتمنّى لو أتيحت لنا الفرصة أن نستبدل سلوكاتٍ وقراراتٍ أعطت حياتنا شكلها الذي نادرا ما نكون راضين عنه بأخرى نرى أنها أفضل. تأتي هذه المراجعة من تراكم المعرفة والوعي والخبرات المتشكلة مع تقدّمنا في الحياة والسن. كيف سيكون الحال في الكوكب التوأم؟ هل ستتكثف حكمة الإنسان، كلما اقترب من طفولته وساعة موته، أم أنها سترافقه منذ لحظة مولده (عجوزا)؟ هل يولد الكائن البشري في الكوكب المعكوس زمنيا حكيما، وترافقه تلك الحكمة زمنا طويلا، ثم يبدأ في المراهقة والطيش كلما اقتربت ساعة رحيله؟ وهل لو كان هذا حقيقيا سوف يساهم في تغيير مصير البشرية التي تعيش في الكوكب التوأم، ويجعله مختلفا عن مصيرنا؟ هل هذا سوف يجعل من السلام والمؤازرة والتعاطف والتشاركية أمرا أساسيا في حياة البشر المنتمين إلى الكوكب التوأم ضد الحروب والتمييز والقوة والسلطة والمصالح والعنصرية والاستعلاء والاستعمار والاستبداد والعنف والجريمة التي تميّز كوكبنا، وتساهم في تدميره شيئا فشيئا؟

ستبدو الأسئلة السابقة افتراضيةً مشابهة لافتراضية الكوكب التوأم، لكنها تمتلك مشروعيتها بذاتها، ذلك أنه، إضافة إلى كل الخراب الذي يعمّ كوكبنا، فإن للتقدّم العلمي فيه حصة كبيرة تخفّف من وطأة الخراب، وفرضية الكوكب إيّاها واحدة من آلاف الفرضيات التي أثبتها العلماء لاحقا، وتحوّلت إلى حقائق وواقع. وربما سوف يتمكّن العلماء من إثباتها في وقت ما من الزمن المقبل، وربما هذا سوف يكشف أسرارا عن الكون لا يتوقع أحد اكتشافها، فمثلا لو أن هذا الكوكب المحكي عنه حقيقي، فلمَ لا يكون هو المكان الذي ننتقل إليه حين نغادر الحياة، ولمَ لا يكون كوكبنا هو المكان الذي ينتقل إليه من يغادرون الكوكب التوأم؟ وبالمناسبة، كم برأيكم سوف يكون متوسط الأعمار في ذلك الكوكب، وهل بوتين والأسد وترامب وأشباههم الكثر سوف تكون لهم توائم حكماء في الكوكب التوأم؟

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.