11 نوفمبر 2024
في قضية أحلام التميمي
صحيحٌ أن دعوة الحكومة الأميركية إلى الطلب من الأردن تسليم مواطنته، أحلام التميمي (40 عاماً)، ما زالت بين أعضاء في الكونغرس، وأن سبعة منهم بعثوا رسالةً في هذا الخصوص إلى السفارة الأردنية في واشنطن، إلا أن المرشّح سفيراً في عمّان، هنري ووستر، أعلن، الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة قد تعلّق مساعداتها إلى الأردن، إذا لم يسلّم الشابة التي أمضت عشر سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد حكمٍ عليها بـ 16 مؤبّداً، وأفرج عنها في صفقة تبادل مع حركة حماس، في العام 2011. ويعني هذا التهديد أن "قضية أحلام التميمي" قد تشهد تصعيداً ملحوظاً، سيما وأن لوبياتٍ صهيونية، ضاغطة في الولايات المتحدة، تنشط باتجاه إرغام الأردن، بغير وسيلة، على عدم الاعتراض على خطة إسرائيل ضم نحو ثلث الضفة الغربية إليها، والكفّ عن تلويحه بمراجعة علاقاته مع الدولة العبرية. ويذهب كلام أوساط في الكونغرس والإدارة الأميركيين، عن أحلام التميمي، إلى "حجج" قانونية، منها أن التفجير الانتحاري في 2001، في مطعم في القدس، وشاركت المواطنة الأردنية، من أرومة فلسطينية، في التخطيط له، أودى بمواطنيْن أميركيين من بين 15 شخصاً قضوا فيه. وأن ثمّة "اتفاقية تسليم المجرمين" بين الأردن وأميركا. وأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يضع التميمي في قائمة "إرهابيين مطلوبين". وأن وزارة العدل الأميركية أعلنت اتهامها "بالتآمر لاستخدام سلاح دمار شامل ضد مواطنين أميركيين". إذ يزيدون ويعيدون هناك في هذا الكلام، فإن ثمّة حزمةً من الحجج القانونية الأردنية تردّه، أولها أن حكماً قضت به جهة قضائية إسرائيلية على المتهمة، وأن البرلمان الأردني لم يُصادق على تلك الاتفاقية، والأهم أن أعلى محكمة في القضاء الأردني (التمييز) صادقت، في 2017، على قرار محكمة الاستئناف منع تسليم أحلام التميمي إلى الولايات المتحدة.
يتسلّح صانع القرار الأردني بهذه الحجج، الشديدة الوجاهة في المستوى القانوني المحض، في مقاومة المطالبات الأميركية تلك، غير أنه سيجد صعوبةً حادّةً في تدارك التداعيات غير الهينة الآثار، فيما لو أقدمت الإدارة الأميركية على "معاقبة" عمّان، بتعليق المساعدات (تم رفعها من 275 مليون دولار إلى 1,3 مليار سنويا). ولعله ليس في محله أن يطمئن الحكم في الأردن إلى أن الجاري لا يعدو زوبعة مزايداتٍ آنية، متصلة بظرف سياسي لن يدوم، بل هو مدعوٌّ إلى قراءة اللوحة بكل تفاصيلها، وإلى بحث كل الاحتمالات والخيارات، سيما وأن الأردن مكشوفٌ تماماً، ووحده (مع السلطة الفلسطينية)، من دون تغطيةٍ عربيةٍ تحميه (أين القاهرة والرياض بالمناسبة؟) ولو بالحد الأدنى، في مواجهة خطط النهب الإسرائيلية في جواره الفلسطيني الحدودي، وقد قال رئيس الحكومة عمر الرزاز، أمس الأحد، إن ما تنوي إسرائيل فعله سيقود إلى "طريق الصراع". وإذا كانت الحكومة الأردنية قد اغتبطت بأن المساعدات الأميركية المنتظمة ستصل إليها، الشهر المقبل قبل موعدها المقرّر، فإن النوم على أمر كالذي جهر به السفير الأميركي المرشّح (هل يمكن للأردن رفض تسميته؟) شديد الخطورة. وليس في وسع الكاتب هنا أن يُرشد أهل القرار الأردني ماذا يصنعون، بغير التمسّك بالحجج القانونية القوية، مع المواظبة على الاتصالات المتنوعة مع لجان الكونغرس واللوبيات ومراكز التفكير وكل دوائر التأثير على الإدارة الأميركية. وإذ لم يرشَح عن اجتماعات الملك عبدالله الثاني (تقنيا)، قبل يومين، مع رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ولجنتي الشؤون الخارجية والخدمات العسكرية في مجلس النواب، أنها جاءت على مسألة أحلام التميمي، فإنه قد يكون لشبكة العلاقات الواسعة التي يقيمها الملك نفسه، ووزير الخارجية النشط أيمن الصفدي، والسفيرة في واشنطن دينا قعوار، مع أوساط أميركية مهمة، تأثيرها، سيما وأنها ترتكز على استراتيجية علاقات التحالف الطويلة التي أقامها الأردن مع الولايات المتحدة.
لا شطط في القول إن معركةً سياسيةً وقانونيةً ودبلوماسيةً وإعلاميةً استجدّت على عمّان، عنوانها حماية مواطنة أردنية. ولا حاجة لتأكيد المؤكّد، أن صمود الموقف الرسمي في هذا الخصوص سيجد كل إسناد شعبي. والأردن في حاجة إلى المساعدات الأميركية الحيوية، غير أن الحُكم فيه يستحيل أن يسجّل على نفسه فعلاً مذموماً، لا سمح الله، من قبيل تسليم أحلام التميمي إلى سجن أميركي.
لا شطط في القول إن معركةً سياسيةً وقانونيةً ودبلوماسيةً وإعلاميةً استجدّت على عمّان، عنوانها حماية مواطنة أردنية. ولا حاجة لتأكيد المؤكّد، أن صمود الموقف الرسمي في هذا الخصوص سيجد كل إسناد شعبي. والأردن في حاجة إلى المساعدات الأميركية الحيوية، غير أن الحُكم فيه يستحيل أن يسجّل على نفسه فعلاً مذموماً، لا سمح الله، من قبيل تسليم أحلام التميمي إلى سجن أميركي.