في استعجال تطبيع السودان
ليس غريباً هذا الإصرار الأميركي والإسرائيلي على التحاق السودان بقطار التطبيع الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإضافة إلى الرغبة الأميركية الإسرائيلية في ضمّ ما تيسّر من دول عربية إلى ما سُمِّيت "اتفاقات سلام"، فإن انضمام الخرطوم قد يكون الوحيد ذا المعنى إذا نظرنا إلى الدول المرتبطة مباشرةً بالصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما يفسر هذا الضغط الأميركي والإسرائيلي، والترويج الإعلامي لذلك، باعتباره أحد المنجزات الفعلية التي يمكن المفاخرة بها بالنسبة إلى ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ففي الحساب الاستراتيجي - العسكري للصراع، لا معنى لهذا "السلام" مع الإمارات والبحرين على الصعيد الأمني بالنسبة إلى إسرائيل، ولا سيما أن الطرفين لم يكن لهما أيّ دور فعلي في المواجهة المباشرة مع الاحتلال، بل على العكس من ذلك، فقد عمدا، وخصوصاً الإمارات، إلى تجريم أيّ تحركات داخلية لها علاقة بالمقاومة، سواء الفلسطينية أو اللبنانية، وعمدت الإمارات إلى ترحيل كل من ترى له أيّ ارتباط بالفصائل الفلسطينية واللبنانية التي لها دور في المواجهة مع الاحتلال. عملياً، إن الإمارات أساساً، ومن خلفها البحرين، وحتى السعودية، كانت تعمل مباشرةً، سواء عن قصد أو غير قصد (والأرجح بقصد، بحسب ما كشفته التطورات الأخيرة والتورط المباشر في التطبيع)، على حماية أمن إسرائيل. فالاتهام الأساسي الإسرائيلي لهذا النشاط الذي كان يجري على أرض الإمارات، وفي دول الخليج عموماً، أن له علاقة بالدعم المادي للفصائل الفلسطينية، الذي يذهب جزء منه لشراء السلاح، رغم أنّ من المعروف أنّ تسليح فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان يجري بطريقة شبه مجانية من طريق الدول الداعمة بشكل أساس.
على هذا الأساس، فإن هذا "السلام" مع الإمارات والبحرين لا تصريف له على الصعيد الأمني، لكن يمكن أن تجني منه إسرائيل وحدها الكثير على صعيد العلاقات العامة والاقتصاد وتحسين الصورة في الخارج، وهو جزء أيضاً من أهداف ترامب الذي يسعى إلى تحسين صورته في الداخل الأميركي وتعزيز حظوظه في الفوز بولاية ثانية. لكن هذا وحده لا يكفي، سواء بالنسبة إلى نتنياهو أو ترامب، ولا سيما أن التهديد الذي تواجهه إسرائيل، تهديد أمني بالدرجة الأولى، وهو إلى الآن لم يتمّ تأمينه أساساً، في ظل غياب أيٍّ ممّا يُسمى "دول الطوق" التي لا تزال في حالة حرب مع إسرائيل إلى اتفاقات السلام هذه.
وفي ظل استبعاد الانضمام اللبناني والسوري، حالياً وبسرعة، إلى قطار التطبيع، فإن الأعين توجهت إلى السودان، وخصوصاً أنه يمكن اعتباره جزئياً أحد أطراف "دول الطوق"، ولا سيما في السنوات الأخيرة، بفعل الدور الذي أدّته الخرطوم في دعم حركات المقاومة، بعدما كانت تستخدم أراضي السودان، بعلم من السلطات السياسية هناك، في تهريب السلاح إلى الفصائل الفلسطينية.
فخلال السنوات الماضية، كان السودان ممراً رئيسياً للسلاح إلى سيناء، ومنها إلى قطاع غزة. ورغم أن هذا الأمر تراجع في الفترة الأخيرة، ومنذ ما قبل الثورة في السودان التي أطاحت نظام عمر البشير، إلا أن السودان يبقى مخولاً لأداء الدور الذي كان يؤديه سابقاً، والتموضع في الخندق الداعم لحركات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وهو ما تجهد دولة الاحتلال، ومن ورائها الولايات المتحدة، لتفكيكه سريعاً، وتقديمه باعتباره أحد المنجزات الأساسية لعهدي ترامب ونتنياهو، ومقدمة لتفكيك ما يسمى "محور الممانعة"، الذي كان السودان محسوباً جزئياً عليه في السنوات السابقة.
من هنا، يمكن فهم الضغط الكبير الذي تمارسه الولايات المتحدة على قادة الخرطوم الجدد، من البابين السياسي والاقتصادي، واستعجال موافقتهم على التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يبدو أنه بات قريباً، للانتقال إلى أطراف أخرى، عبر ذات أساليب الضغط، الأمر الذي بدأ فعلياً مع لبنان.