فيروز أيضاً وأيضاً
لمّا سُئل الرئيس الفرنسي، ماكرون، عمَّ طلبته منه فيروز، في لقائهما في منزلها، أجاب بأنه يترك لها التحدّث عن ذلك إذا أرادت. .. ولكن من يتذكّر آخر مرّةٍ سُمعَت فيها فيروز تتحدّث؟ إنها تشتهر، إلى صوتها الموصوف عن حقّ ملائكيا، بأنها لا تتكلّم للناس، شحيحة الحضور أمامهم، صموتة. انكتب أن لقاء الساعة وربع الساعة، مساء الإثنين الماضي، تم تسجيلُه بالفيديو، صوتا وصورة. إذا صحّ هذا، فإن بث هذا الشريط، بعد حين بعيد أو قريب، سيكون حدثا بالغ الإستثنائية، لأن مشاهديه سيسمعون فيروز تتكلّم، ولا تغني أو تترنّم. انكتب أيضا أنه، إلى السفير الفرنسي في بيروت، وريما الرحباني، ابنة المغنية، حضر اللقاء الذي حيل بينه وبين وسائل الإعلام (ومنها الفرنسية المرافقة للرئيس) محامي فيروز الخاص، واسمه فوزي مطران. إذا صحّ هذا، ما الذي يعنيه وجود هذا الرجل، بحيثيّته هذه، في اللقاء الذي حفّت به، قبل انعقاده وفي أثنائه وبعدَه، تفاصيل أشبه بطقوسٍ طوطميةٍ وكهنوتية. وربما يستحقّ الرئيس ماكرون شكرا غزيرا، لأنه "سرّب" للصحافة إنه شعر بالرهبة، وهو يرى جمال فيروز، والسحر الذي تتمتّع به، و"هذا الوضوح السياسي والوعي السياسي لديها". لقد زاد الرئيس الحالَ كلّه التباسا، ما هو بالضبط هذا الوعي السياسي لدى فيروز؟ ينطرح السؤال، وفي البال ما هو صحيحٌ عن الفنانة العظيمة أن محبّتها توحّد اللبنانيين، وأنها أيقونتُهم. عجبا! هل كانت الترجمة دقيقةً لكلام ماكرون عن"وضوحٍ" سياسي لدى فيروز. متى كانت "جارة القمر" واضحةً؟ وسياسيا!؟ كان نجلها، زياد الرحباني، رديئا لمّا قال، في العام 2012، إنها تحبّ حسن نصر الله. تبهدلَ كثيرا على كلامه ذاك، في لبنان وخارجه، ثم ذاع إن والدته قاطعتْه، قبل أن يعلن على شاشة تلفزيون المنار (!)، في صيف العام 2018، إنهما تصالحا.
إنْ كان ماكرون يحترم "السر" الذي تحيط به فيروز نفسها، على ما قال، كيف لنا، إذن، أن نعرف ما نريد أن نعرف عنها. صدقت الصحافية اللبنانية، باسكال صوما، في أسئلتها: لماذا لا تطلّ فيروز على اللبنانيين، وتقول لهم شيئا، في أيٍّ من الوقائع والمصائب التي تتوالى عليهم؟ لماذا لا تردّ على فضولهم؟ "لماذا تعبس فيروز في وجوهنا، وتبتسم لماكرون"؟ فعلا، لماذا تُفرط في مجافاة الناس، وهي التي غنّت أحلامهم؟ لا أحد يجادل في حقّها في العزلة التي أرادت واختارت. ولكن تجوز الأسئلة عن هذا كله. أطلّت قبل أسابيع في ترنيمةٍ مصوّرةٍ من أجل الإنسانية في مواجهة كورونا. كان عظيما منها هذا، غير أن اللبنانيين يعوزُهم أن تهبط أيقونتُهم درجةً أو اثنتين من عليائها، وتخاطبُهم بشيءٍ عن أيِّ شيء، سيما وأنهم، فيما يفتقدون حسّا بالمسؤولية لدى السياسيين الحاكمين في بلدهم، ويغالبون أحوالا، صارت شديدة البؤس، يحتاجون دفئاً فيروزيّاً ما، تربيتةَ تَحْنانٍ من المغنيّة الثمانينية، سفيرتِهم إلى النجوم. للبنانيين أن يسألوا، أن يتبرّموا، أن يُفضفضوا. وفي أثناء هذا كله، أن يحبّوا فيروز، أن يفتخروا بها، بل وأن يشعروا بالمجد كله، لأنهم وإياها من شعبٍ واحد، كما جهر عن نفسِه، مرّة، الشاعر أنسي الحاج.
تُرى، هل كان "وضوحا" من فيروز، لمّا اعتذرت، في دمشق، عن تسلّم وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى من بشّار الأسد، العام 2008؟ لا أدري. ولكن قيل، والله أعلم، إنها أبلغت من أبلغوها نيّة المذكور تكريمَها بالوسام إنها لم ولن تقبل أي وسام من أي زعيم عربي. أظنّها لم تقل هذا بالضبط، ربما أخطرتْهم إنها لم تعد تقبل أي وسامٍ من أي من هؤلاء، لأنها قبلت أوسمةً غير قليلة، أحدها من حافظ الأسد قبل أزيد من أربعة عقود. ومن زين العابدين وسلفه الحبيب بورقيبة الذي حرمه الأخوان رحباني من حفلةٍ طلبها لفيروز، في زيارته بيروت قبل 55 عاما، لمّا ألغياها بعدما استبدلت السلطاتُ المسرح المقرّر لها. كرّمها بوسام النهضة الملك الحسين الذي كان يمحضُها تقديرا عاليا، لكنها اعتذرت، مرّة، عن تلبية دعوةٍ منه لحضور حفلٍ لعيد ميلاده. وتبرّم مرّةً من عدم قبولها تصوير التلفزيون الأردني حفلةً لها في عمّان، وكان يرغب بسماعها على الهواء مباشرة.
اكترثْنا بلوحة فنانةٍ كرواتيةٍ لبنانيةٍ، في دارة فيروز، ظهرت في ثلاث صور للقاء بين المغنية والرئيس الذي استقبلتْه بالباب ابنتُها. واستغرق عارفٌ مختصٌّ بحديثٍ عن أيقوناتٍ بيزنطيةٍ في المنزل أظهرتها الصور الثلاث. أما الذي حكته "بنت الحارس" لرئيس فرنسا فلا يجوز أن ندري به، أقلّه الآن .. وبعد الآن، كثيرٌ سيجري في لبنان، وربما تفعلها فيروز وتفاجئ أهله بشيءٍ ما عنهم وعنها. ربما.