فلنعاقب الاحتلال بالحبِّ فمنه ما قتل!
قرأت في صحف إماراتية عدة أنَّ الإمارات تنوي جرّ جبل جليدي من ذيله، بتكلفة مائة مليون دولار، سيذوب في الطريق، إن لم يكن من الحرِّ، فمن الخجل، لأنَّ الطريق من القطب الجنوبي إلى دبي تستغرق سنة تقريباً. وكنت أفكّر في طول السلسلة الفولاذية التي سيحفر لها ثقب في مركز الجبل، والمناشير التي ستنشره، والسفن التي ستجرّه، ثم تذكّرت الحوت الذي جرَّ جبل جليد إلى سواحل الصحراء في مسلسل السندباد الكرتوني الذي كان مزجاً يابانياً بين حكايات ألف ليلة وليلة وأخرى غربية. ويبدو أنَّ دولة غرندايزر والبلاك ووتر وديزني لاند صرفت النظر عن مزحة جبل الجليد وتنوي غزو المريخ. وكنت أتطيّر قبل أن تسابق الإمارات عقارب الساعة وثعابين الوقت، بعد أن بطرت معيشتها، وحان أوان هلاكها. وأتذكّر متعب الهذال بطل رائعة عبد الرحمن منيف "مدن الملح"، فيختلط دمعٌ جرى من مقلةٍ بدم. وأرى أن حفر بئر في أفريقيا للفقراء سيدرُّ على الإمارات حباً جمّاً من الناس، ورزقاً حسناً من السماء. لقد شرّدت الإمارات شعوباً عربية، وخلا لها السرير، ففاجأتنا بمعاهدة السلام مع الحبيب بعد الحب والأشواق، ورسائل العشاق، وسُمي العقد، عند المأذون الأميركي، باسم أبراهام الذي حطم الأصنام، عليه السلام.
اتهم النظام السوري قطر التي تبثّ منها الجزيرة بصناعة مجسّمات لأحياء سورية، ومدن تصوير سينمائية، واختلاق مظاهرات. وكان المتظاهرون بعد احتلال العسكر ساحة الساعة، وقتل عشرات المتظاهرين، قد صنعوا مجسماً لصرح الساعة، فاستغلها النظام، ودلّل بها على نظرية المجسّمات. الحق أنَّ الإمارات ساهمت بصنع مجسّمات كبيرة، مثل مجسّم ثورة يونيو المصرية التي قادها عبد الفتاح السيسي، وصنعت مجسّم "مجلس الثورة الانتقالي" في اليمن، وأوشكت على صناعة ثورة مضادّة في تونس بقيادة الناسكة الزاهدة عبير موسى، كما صنعت مجسّماً يشبه "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي أسّسه القرضاوي سنة 2004، أطلقت عليه اسماً لطيفاً هو "مجلس حُكَماء المسلمين"، وهو هيئة دوليَّة مستقلَّة تضم علماء مسلمين، يرأسهم إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب، ويهدف ظاهراً إلى تحقيق السِّلم والتعايش في العالم الإسلامي، ومحاربة الطائفية، ويتَّخذ من أبوظبي مقرّاً له، وباطناً إلى السلام مع إسرائيل، ومحاربة الإسلام، وتأجيج الطائفية بين المسلمين، والحفاظ على الاستبداد العربي المجيد.
والإمارات فيها وزاراتٌ لا نراها حتى في ألف ليلة وليلة، وأفلام ديزني لاند، مثل: "وزارة المستحيل"، أسّست بعد ثلاثة أعوام من تأسيس "وزارة السعادة". وصنعت الإمارات "بابا نويل" إماراتياً من غير ثيابٍ حمراء يرتدي قلنسوة، اسمه غيث، يتصدّق بالأموال على فقراء من الدول العربية، ويُجبيها عواطف جياشة وإعلانات على صفحة غيث. وتهمّ الإمارات بشراء مفاعل نووي، ستشرف عليه عقول مستأجرة، بأجورٍ عالية في بلاد الحرِّ الشديد، وقد يهرُب أصحاب العقول المستأجرة إلى بلادهم في أول ارتفاع للحرارة درجةً، أو قد ينقمون من مشغّليهم بمشاجرة عارضة، فيحوّلونه إلى تشرنوبيل، ولنا في مفاعل معمر القذافي الذي تحوّل إلى أنقاض في الصحراء أسوة وعِظة.
ولا عجب من قلة الجاهرين بالحق، فالمظاهرات ضد معاهدة النمرود كانت في عجم المسلمين أكثر من عربهم. أحصيت على أصابع يدي أسماء الكتّاب الذين سحبوا مخطوطاتهم من مسابقات الجوائز، وأشفقت كثيراً على الحال، وعلى المحللين والتيوس المستعارة الذين يخرجون على الفضائيات، وهم يحاولون عدّ حسنات معاهدة أبراهام، فلا أجد في دبر الزبيبة سوى عودها. وأنصح هؤلاء المحللين بأن يصدُقوا بدلاً من ديباجات السلام وفلسطين الكاذبة، فإما أنَّ إسرائيل سيقت إلى الزواج بعد حبٍّ وهيام، أو أن القِران عُقد من غير حب، والحب يأتي بعد الزواج، أو أنَّ وليّ عهدها الإسكندر العربي يريد أن يختم بالصالحات أعماله، فيصلي في القدس قبل الرحيل إلى المريخ ليبني إمارة ثامنة فيها.