فلسفة خاصة عن شيرين أبو عاقلة
تعاطفتُ مع قضية شيرين أبو عاقلة لأسبابٍ عديدة، ما زلت أتداولها مع نفسي منذ قُتلت هذه الشابة الفلسطينية يوم 11 مايو/ أيار الحالي. يبدو أنّ تقدّمنا في العمر والتجربة جعلنا ميّالين إلى التدقيق في مشاعرنا، وتقليبها على وجوهها المختلفة، وأبعدنا عن الجري مع الهوشات الإعلامية (عليهُم عليهُم) التي تدفع بعض الناس إلى إطلاق تصريحات التأييد، أو الاستنكار، بفعل العاطفة من دون العقل.
أول أسبابي الخاصة أنّ شيرين إنسانة قُتلت، أي حُرمت حق الحياة الذي يجب أن يكون مكفولاً لجميع الناس. والدول المتقدّمة، كما هو معلوم، ألغت حكم الإعدام منذ زمن بعيد، فأصبح حقّ الحياة مؤمَّناً حتى للمجرمين القتلة، وشخصياً أؤيد هذا. وثانيها أنّ شيرين صحافية، يعني، بشكل أو بآخر زميلتي. وللتوضيح، محسوبكم ليس صحافياً أساساً، لكنّ الأديب، في بلادنا المحرومة نعمة التخصّص، يضطر إلى أن يعمل في الصحافة، ويكتب للمسرح، والإذاعة، وحتى فوازير رمضان. وثالثها، أنّ شيرين صحافية ميدانية، تعمل وسط الأخطار والرصاص الطائش منذ نحو خمسة وعشرين عاماً، وتتعرّض، من ثمّ، لاحتمال الموت في كلّ لحظة. وبهذا المعنى، هي امرأة شجاعة. ورابعها، أنّ شيرين فلسطينية، قتلت ضمن سياق القضية الفلسطينية الراسخة في وجداننا، نحن السوريين، من أربعينيات القرن الماضي. والجديد في الموضوع أنّنا بقينا متعاطفين مع هذه القضية، على الرغم مما كابدناه من الاستبداد الأسدي الذي كلما قارنّاه باستبداد آخر، يطلع معنا الآخرُ "لعب عيال". وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ إسرائيل ليست مستبدّة على شعبها، على عكس النظام السوري الفاشستي. ويجدر بنا، كذلك، أن نمتلك الشجاعة، لنقول إنّ المقارنة بين نظام الأسد وإسرائيل في مجال انتهاك حقوق الإنسان، وبضمنها قتل الصحافيين، تصبّ في مصلحة إسرائيل، مع الأسف. وخامساً؛ شيرين امرأة، ولا بد أنّ لدى حضراتكم فكرة وافية عن عداء مجتمعاتنا للمرأة عبر العصور.
أظهر مقتل شيرين أبو عاقلة، كذلك، أنّ التناقض، أو الحساسية، بين المسلمين والمسيحيين موجود، وهو أقلّ حدّة من الصراع المذهبي الحاد القائم بين السُّنة والشيعة، والسُّنة والعلويين، والأصوات الهزيلة التي حاولت الإشارة إلى جواز الترحم على شيرين أو عدمه لأنّها مسيحية، اختنقت أمام المدّ الجماهيري الكبير الذي أعقب مقتلها، ومشهد جنازتها التي يمكن مقارنتها بجنازات القادة السياسيين، وعباقرة الفن، أمثال سعد زغلول، وإبراهيم هنانو، وأم كلثوم.
التناقضات الإثنية، كالصراع الديني، أو القومي، أو المذهبي، كانت وما زالت مرضاً خطيراً يفتك بنا، نحن أبناء هذه المنطقة، وإنْ كانت الصحوات الاجتماعية التي تحدُث في ظروف استثنائية، مثل مقتل شيرين، تقلّل من حدة هذا الصراع، لكنّه سرعان ما يظهر على هيئة عداواتٍ ذات طبيعة صفرية (أقتلك أو تقتلني)، فور الانتهاء من الظرف الاستثنائي... لا تغرّنَّك المظاهر الإعلامية الدعائية التي تعرضها الأنظمة الديكتاتورية، كنظام الأسد، حينما تُعَمَّم صورةٌ لشيخ وقسيس يزرعان شتلة سرو، في عيد الشجرة، وهما مبتسمان للكاميرا، ولا حتى الخبر الذي يتسرّب الآن من الشمال السوري، أنّ حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام تريد أن يرجع المسيحيون إلى بيوتهم في إدلب، ويجري التفاوض مع شخصٍ ملمٍّ بالدين المسيحي ليأتي ويفتح الكنيسة المغلقة منذ مطلع سنة 2015، فهذا أمرٌ لا يعني أنّ الطائفيين تخلّوا عن طائفيتهم، وإلّا فليتفضلوا ويوجهوا دعوة مماثلة إلى الذين هُجِّروا من كفرية والفوعة ومعرّة مصرين، للعودة إلى بيوتهم. المتمسّك بطائفيته سيقول لي، على الفور: وهل يسمح نظام الأسد بعودة الذين هجّرهم من ريف دمشق بالمقابل؟ الجواب، أولاً؛ أنا لا أحكي هنا باسم النظام، وثانياً أنتم لا يجوز أن تكونوا مثل النظام.