فستان كيت بلانشيت
تُشكّل مهرجانات السينما في العالم فرصةً مناسبةً لمصمّمي الأزياء والمجوهرات لاستعراض أحدث تصاميمهم وأجملها على أجساد نجمات السينما، وأيقوناتها، من كلّ أنحاد العالم، إذ تُعتبر السجّادة الحمراء، في هذه المهرجانات، بمثابة (أتيليه) لعرض الفساتين والأزياء المُدهشة، سواء لجمال تصميمها أو لغرابتها في الوقت نفسه. وغالباً ما تُعتبر مهرجانات السينما أكثر أهمّية من أسابيع الموضة المُخصّصة لدور الأزياء، وعدد قليل من الحضور المُنتخَب من الصحافة المُتخصّصة أو من أثرياء العالم؛ ذلك أنّ هذه المهرجانات تحظى بتغطية إعلامية واسعة جدّاً، كما أنّ حضورها ومتابعيها ينتمون إلى كلّ الشرائح المُجتمعية في العالم. أي؛ باختصار، لن يجد مصمّمو الأزياء أفضل من أجساد نجمات السينما في العالم، ولا مهرجاناتها، لعرض آخر إبداعاتهم وتصاميمهم.
لكنّ مهرجانات السينما، أيضاً، هي مناسبات مُهمّة للتعبير عن مواقفَ إنسانيةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ وفكريةٍ، يُريد صنّاع السينما إيصالها إلى أكبر عدد ممكنٍ من الجمهور والناس، لهذا، لطالما أثير الجدل، تاريخياً، في هذه المهرجانات بشأن مواقف بعض النجوم، من مُمثّلين ومُخرجين ومُنتجين، نتيجة سلوك ما، قام به أحدهم، أو كلام قاله، عبّر به عن رأيه في حدث عالمي، أو موقف ما، كان بمثابة احتجاج على سياسات عالمية أو تضامن مع حدث عالمي أو مع مجموعة بشرية تعاني من الاضطهاد السياسي أو العرقي أو الجنسي، ويصمت المجتمع الدولي عن هذا الاضطهاد. ونتذكّر، هنا، جميعاً، عام 1975، حين فاز المُمثّل الشهير مارلون براندو بأوسكار أفضل مُمثّل عن فيلم "العراب"، كيف صعدت امرأة شابة من السكّان الأصليين وأعلنت رفض براندو للجائزة احتجاجاً على صورة السكّان الأصليين في هوليوود. ونتذكّر، أيضاً، المخرج الأميركي مايكل مور في عام 2002، عند تسلّمه الأوسكار، وإعلانه رفض الحرب على العراق، وكلماته الشهيرة أمام الجميع: "عار عليكِ يا أميركا، عار عليكَ يا بوش"؛ نتذكّر كثيراً من مواقف نجوم العالم بشأن قضايا التغير المناخي، والموقف من السود والمجاعات في العالم، والحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية. قضايا إنسانية وسياسية كثيرة لطالما أغنت مهرجانات السينما، وأظهرت صورتها الحقيقية بعيداً عن الأزياء والسجّادة الحمراء.
موقف، يشهد له، هو الفستان الذي ارتدته المُمثّلة العالمية كيت بلانشيت في مهرجان كان أخيراً، والذي صُمّم ليظهر العلم الفلسطيني في تفاصيل الفستان وهي تسير على السجّادة الحمراء، فستان بالغ الأناقة وبالغ الدلالة. عرفت بلانشيت كيف تستغلّ السجّادة الحمراء في واحد من أعرق مهرجانات السينما في العالم، وأكثرها انتشاراً ومتابعةً لتعبّر عن تضامنها مع قضية فلسطين في قلب فرنسا، التي صدمت الرأي العام العالمي بمحاولتها قمع أيَّ حراك تضامنيّ مع الفلسطينيين. هل يحتاج الأمر أكثر من هذا للتضامن مع قضية مثل القضية الفلسطينية، من ممثلة عالمية بقيمة كيت بلانشيت؟
هنا، لا بدّ من ذكر أنّ عديدات من نجمات العالم العربي حضرن حفل افتتاح مهرجان كان، والفعّاليات المصاحبة، وارتدين فساتين بتصاميم جميلة، ونشرن صورهن على وسائل التواصل متباهياتٍ بما هنّ عليه. لكن، أليس غريباً أنّه ولا واحدة منهن قامت بأيّ فعلٍ أو صرّحت بأيّ تصريح تضامني مع القضية الفلسطينية، أو على الأقلّ، أيّ سلوك يظهر موقف إحداهن ضدّ الحرب المتواصلة منذ أشهر، وضدّ القتل الذي يطاول المدنيين والأطفال والأبرياء؟
أو ربّما يمكن استغراب تساؤلي، ودهشتي، ذلك أنّ مقارنة أيّ واحدة منهن بكيت بلانشيت غير صحيحة، ليس لأنّ بلانشيت مُمثّلة عظيمة متنوّعة الأداء إلى حدّ مذهل لا تقدر عليه أعظم المُمثّلات العربيات فقط، لكن أيضاً، لأنّ فهم بلانشيت (ومعها غالبية نجوم العالم) للسينما ولمهنة المُمثّل يختلف كثيراً عن فهم النجوم العرب، سيّما في هذا الوقت، لمعنى السينما ولمهنة صناعتها، ولدورها في التغيير المجتمعي والسياسي، ودور النجم في تشريح القضايا الإنسانية والوقوف معها. كما أنّ صناعة السينما ترتبط بالإحساس العميق بالحرّية. فرغم محاولات رأس المال الانتاجي فرض وجهة نظره السياسية على هذه الصناعة في العالم، لكنّه يفشل، دائماً أمام إصرار النجوم على عدم الخضوع لهذه الأجندة لصالح قناعاتهم ومواقفهم الثابتة من قضايا العالم؛ هل يتمتّع صُنّاع السينما في بلادنا بهذه الحرّية، وهل من مواقف واضحة لنجم عربي ما، تثبت استقلاليّته عن مواقف الأنظمة أو رأس المال المُنتِج؟