فرصة أمام العرب وإيران؟
شهدت علاقات إيران الدولية، خلال أسبوع فقط، تطوّرين ملفتين ومفاجئين، بالقدر نفسه، تمثل الأول في الاتفاق الذي أبرمه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، في 4 مارس/ آذار الجاري، بعد زيارة سريعة قام بها إلى طهران، وأسفرت عن إعادة برنامجها النووي إلى نطاق الرقابة الدولية. أما التطوّر الثاني فهو مرتبط بالاتفاق الثلاثي الذي جرى التوصل إليه في بكين، نتيجة مفاوضات سرّية استغرقت خمسة أيام (6 - 10 مارس/ آذار الجاري) وجمعت مستشاري الأمن القومي في السعودية وإيران، وأسفرت عن استعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ عام 2016.
لا توجد تفاصيل كثيرة عن مفاوضات بكين، التي وصفها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بالصعبة، لكن صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت أن طهران وافقت، من أجل تحسين العلاقات مع الرياض، على وقف دعم الهجمات التي يقوم بها الحوثيون ضد السعودية من اليمن، في حين وافقت السعودية على وقف دعمها قناة "إيران إنترناشيونال" التي تبثّ من لندن وتلعب دورا مهما في تأجيج الاحتجاجات المستمرّة في ايران منذ سبتمبر/ أيلول الماضي على أثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني.
ورغم أن الاتفاق الذي رعته الصين، واستفزّ واشنطن، يتصل فقط باستعادة العلاقات الدبلوماسية وإحياء العلاقات الأمنية والتجارية بين البلدين، ولا يشتمل على حل الخلافات السعودية - الإيرانية، وهي كثيرةٌ ومعقدة، مع ذلك، ما كان ممكنا تبنّي النهج الجديد الذي سلكته إيران في علاقاتها الدولية أخيرا لولا حال الضعف والهشاشة التي تعاني منها إيران، سواء في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، أو الاختراقات الأمنية الكبيرة التي اتّضحت في السنوات الأخيرة في عملياتٍ عديدة، يرجّح أن إسرائيل وراءها، أو بخصوص تزايد المخاوف من احتمال شنّ هجمات عسكرية على منشآتها النووية من الولايات المتحدة أو إسرائيل أو الاثنتين معا. ولكن هذا النهج، خصوصا الخطوة باتجاه السعودية أخيرا، يعكس أيضا حالة "فطنة" نادرة في تعاطي إيران مع القضايا العربية. فمنذ عقدين، وتحديدا منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وإيران تسلك سلوكا تدميريا في سياستها العربية من خلال محاولتها السيطرة على عواصم المشرق العربي واستخدامها ساحات حربٍ لتعظيم نفوذها الإقليمي وبناء مشروعها الإمبراطوري. وقد نجحت إيران، بعد عشرين عاما من تبنّي هذه السياسة، في تفكيك معظم دول المشرق العربي وتقويض قدرة شعوبها على التعايش، بعدما أوقدت جذوة الطائفية في نفوسهم وحوّلتهم إلى جماعات طائفية متناحرة، لكنها نجحت أيضا في تحويل نفسها إلى عدوّ رئيس في نظر جيرانها العرب، لا بل دفعت بعضهم إلى أحضان عدوهم الطبيعي إسرائيل، التي أصبحت على حدودها في الخليج، وزادت فوق ذلك من اعتماد العرب على مظلّة أميركا الدفاعية، فصاروا أكثر تمسّكا بوجودها العسكري الذي تعده إيران تهديدا لها، وتطلب خروجه من المنطقة. وهذه بعض النتائج الاستراتيجية لسياسات إيران العربية.
أما اقتصاديا، فقد أدّت سياسات إيران إلى استنزاف العرب، لكنها أيضا أفقرت الشعب الإيراني، وجعلت نصفه يرزح تحت خط الفقر في مدن الصفيح، بسبب تبديد موارد البلاد، سعيا وراء طموحاتٍ امبراطوريةٍ لم تجن إيران منها الا الفشل. وفيما يُفترض أن تنعُم دول الخليج العربية المصدّرة للنفط حاليا بفوائض كبيرة، نتيجة ارتفاع الأسعار، تستثمرها في بناء مشاريع تنموية وتخفيض نسب البطالة بين شبابها تجدها توجّه مليارات الدولارات إلى شراء السلاح وتكديسه، لمواجهة برامج إيران الصاروخية، وربما قريبا أسلحتها النووية. وإيران من جهتها تواجه مشكلةً كبرى في تصدير نفطها أصلا، وفي الاستفادة من فرصة ارتفاع الأسعار للحصول على المال اللازم لتحسين أوضاع شعبها المعيشية، وقد أخذ يتململ من هذه الأحوال.
باختصار شديد، توجد، الآن، نتيجة الإنهاك الشامل المشترك، فرصة للخروج من المأزق العظيم الذي وضعتنا إيران فيه خلال العقدين الماضيين، ولم يخدم إلا مصالح إسرائيل. لقد جرّبت إيران نهج الصراع مع العرب، والنتيجة إيران مترنحة ودول عربية مفكّكة. لماذا لا تجرّب نهج التعاون والانفتاح ونرى ما يكون؟ يرى بعضهم أن إيران لا تبقى إيران إذا هي فعلت ذلك، لكن هذا تماما هو المطلوب: أن تتغيّر إيران وأن نتغيّر نحن أيضا.