غطرسة نظام إيران في مواجهة الاحتجاجات

02 يونيو 2022
+ الخط -

مثل كل مرّةٍ تندلع فيها التظاهرات، يمنّي أعداء النظام الإيراني، وهم كثر، أنفسهم بقرب سقوطه. وهذا مستبعدٌ، بحسب حتى المحتجين أنفسهم، "سيحتج الناس أكثر قليلاً وسرعان ما يتعيّن عليهم العودة إلى دورهم ومواصلة حياتهم البائسة، بينما يستمتع عبد الباقي بحياته الفاخرة في دبي". هكذا لخّص عاطلٌ عن العمل في عبدان المشهد لصحيفة فايننشال تايمز، بعد المظاهرات الصاخبة التي اندلعت بعد انهيار مبنى بسبب فساد المطوّر العقاري عبد الباقي، وتزعم السلطات أنه قُتل في الانهيار. ليست المظاهرات وحدها التي تكشف ضعف النظام؛ الخروقات الأمنية الخطيرة، وليس آخرها اغتيال العقيد في قلب طهران.

تواجه إيران غضبا متصاعدا يتجاوز عبدان في كل مناطق نفوذها، وحتى في الدوائر المحسوبة عليها، ظهر هذا جليا في الانتخابات العراقية، وما سبقها من تظاهراتٍ في المناطق ذات الأكثرية الشيعية، وفي الانتخابات هزم الفريق المحسوب عليها، وحصل التيار الصدري المناوئ لها على أكثرية أصوات الشيعة، وتكرّرت الهزيمة، ولو بشكل أقلّ دويا في لبنان، ولو حصلت انتخابات في اليمن وسورية لما اختلفت النتيجة. ذلك وغيره لا يغير الواقع الذي تكرّس في العراق ولبنان وغيرهما، فانهيار نظام استبدادي يحتاج تحقق ثلاثة شروط أساسية: الضغط من الأسفل، والانقسامات في الأعلى رأس السلطة، والدعمين الدولي والإقليمي. على الرغم من أن إيران تشهد اضطراباتٍ شعبية متزايدة، إلا أن قوات الأمن التابعة للنظام تبدو الآن، من بعيد على الأقل، متحدة وراغبة في القتل. وفي الدرس السوري وحده دليلٌ كافٍ على أن المظاهرات، مهما بلغت التضحيات فيها لا تكفي لإسقاط نظام استبدادي. وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا، بدا واضحا إن الوضعين، الدولي والإقليمي، ليسا في وارد تغيير النظام في إيران.

كتب الباحث الإيراني في كارنيغي في "فورن إفيرز"، كريم سجاد بور: "‎تبدو القوة الإيرانية في الشرق الأوسط في صعود، ولكن من المرجّح أن تكون سريعة الزوال. العرب الذين انزعجوا قرونا من الهيمنة التركية والغربية لن يقبلوا النفوذ الإيراني بسهولة. حتى أولئك العرب الذين يُنظر إليهم أنهم متعاطفون مع إيران، مثل رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الذي أمضى سنوات في المنفى في طهران قبل مسيرته السياسية، ينتابهم استياء خاص تجاه البلاد. قال المالكي مرّة للسفير الأميركي في بغداد: "أنت لا تعرف مدى السوء الذي يمكن أن يكون عليه الأمر حتى تُجبر على العيش مع الفرس". لكن في النهاية يعلم المالكي إنه لولا الهيمنة الإيرانية لما تمكّن من دخول العراق، ولا البقاء فيه بعد هزيمته الانتخابية.

من الصعب سقوط النظام الإيراني، ولو سقط فما بعده أسوأ منه، سواء كانت فوضى أم نظاما مواليا لإسرائيل، والحل هو إصلاح داخلي وتسوية خارجية مع حزب الله، والحوثي، والجماعات التابعة لها. يرى سجاد بور أن "‎التزام خامنئي بمبادئ الثورة الإيرانية مدفوع برغبته في الحفاظ على نفسه. مثل ديكتاتوريات عديدة، تواجه الجمهورية الإسلامية معضلة إصلاحية: يجب أن تنفتح وتتأقلم من أجل البقاء، لكن القيام بذلك يمكن أن يدمّرها. على عكس الثوار الإيرانيين الأكثر براغماتية، مثل الرئيسين السابقين، أكبر هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، اللذين فضّلا انفتاحًا اقتصاديًا على النمط الصيني والتقارب مع الولايات المتحدة، خلص خامنئي، منذ فترة طويلة، إلى التخلي عن مبادئ الثورة، بما في ذلك معارضتها. الولايات المتحدة وإسرائيل ستكونان مثل استخدام مطرقة ثقيلة على أعمدة المبنى. انهيار الاتحاد السوفييتي يعتقد خامنئي أنه تسارع بسبب إصلاحات غورباتشوف الغلاسنوست". ويرى أن واشنطن "لن تكون قادرة على التوصل إلى تسوية سلمية مع نظام إيراني تقوم هويته على معارضة الولايات المتحدة. كما لا توجد أي حلول سريعة، سواء على شكل مشاركة أميركية أكبر أو مزيد من الضغط، يمكن أن تغير بسرعة طبيعة العلاقة الأميركية الإيرانية أو النظام الإيراني. لهذا السبب، على الولايات المتحدة التعامل مع إيران مثل أي خصم: التواصل لتجنّب الصراع، والتعاون عند الإمكان، والمواجهة عند الضرورة، والاحتواء مع الشركاء".

83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة