عن نتف ريش مصر

29 أكتوبر 2021
+ الخط -

مسكين فيلم "ريش"، نتف الغيورون على مصر ريشه، أو ظنّوا أنهم فعلوا ذلك، عندما اتهموه بالإساءة إلى سمعة مصر، وبالتالي صار من واجب كل مواطن شريف مقاطعته، مثل شريف منير وأشرف عبد الباقي وأحمد رزق، عندما انسحبوا من صالة عرضه في مهرجان الجونة. وصار من مهمة كل وطني شحط مخرج الفيلم، عمر الزهيري، وكاتب القصة أحمد عامر، ومعهما المنتجون، والممثلون (دميانة نصار، سامي بسيون، محمد عبد الهادي، فادي مينا...) إلى النائب العام ونيابة أمن الدولة العليا، بتهمة الإساءة إلى الدولة المصرية والمصريين، كما فعل المواطن الغيور، المحامي سمير صبري، الذي لم يصبر على من تعمّدوا إظهار صورة مسيئة وغير حقيقية لحياة المصريين والمجتمع المصري بأحداث الفيلم، وهرع مطالباً بالتحقيق في حيثيات الجناية، وإحالة مخرج "ريش" وكاتب السيناريو ومنتجه على المحاكمة الجنائية العاجلة. وطبعاً، لا بد وأن يحضر، في مثل هذه الصولات الوطنية، جنرالات الإعلام المصري، وفي مقدّمتهم مصطفي بكري الذي هاجم فريق الفيلم والمموّل الفرنسي، بسبب محاولتهم اختراق العقل المصري بفيلمٍ "تجاوز الواقع" الذي يعيشه المصريون. ولأن بكري تحدّث عن المؤامرة في برنامج "حقائق وأسرار"، فلا بأس من بعض "الساسبنس" بإقحام أيادٍ إسرائيلية مشاركة في تمويل الفيلم، مع تنبيهنا إلى "التذكّر دائماً أن هناك قوى معادية لا تريد لمصر الوقوف على قدميها وتسعى إلى عرقلة أي تقدّم".

ما أثاره "الغيورون" على سمعة مصر يدفع إلى سؤال بسيط، لا علاقة له بالدراما، ولا بالجدل الذي اندلع عن فيلم "ريش"، وإنما بواقع سمعة مصر وحقيقتها على المستوى العالمي، ولا سيما أن مؤشّرات تصدر سنوياً عن منظمات ومؤسسات عالمية مرموقة، تتناول جوانب مختلفة مما يمكن أن يُشكّل في مجموعه سمعة أي دولة. من أهم المؤشرات العالمية "سيادة القانون" (The World Justice Project)، حيث تحتل مصر المرتبة الـ 136 ضمن 139 دولة مدرجة في المؤشّر لعام 2021، وتحتل المرتبة الثامنة ضمن دول الإقليم الثمانية الواردة في المؤشّر. وبالنظر إلى المتغيرات التي يتكون منها المؤشّر العام (تُنظَّم درجات مؤشّر سيادة القانون وتصنيفاته حول ثمانية عوامل أساسية: القيود المفروضة على سلطات الحكومة، وغياب الفساد، والحكومة المفتوحة، والحقوق الأساسية، والنظام والأمن، والإنفاذ التنظيمي، والعدالة المدنية، والعدالة الجنائية) تتراجع مصر إلى المرتبة ما قبل الأخيرة عندما يتعلق القياس بعامل "القيود على سلطات الحكومة" أو عامل "الحقوق الأساسية"، وتحتل المرتبة الأخيرة في عامل "الحكومة المفتوحة".

وتحتلّ مصر سمعة دنيا في مؤشّرات حرية الإنسان (الشخصية، الرأي والتعبير، التنقل، المساواة أمام المحاكم، وأمن الملكية الخاصة، والحريات الاقتصادية من الاختيار الشخصي، والمنافسة في الأسواق، وحماية الأشخاص والممتلكات، والتبادل الطوعي، إلى السماح للناس بالازدهار من دون تدخل من الحكومة أو السلطة الاقتصادية)، حيث تصنف ضمن مجموعة الدول العشر الأسوأ إلى جانب سورية، فنزويلا، اليمن، السودان، العراق، ليبيا، الجزائر، إيران، وإثيوبيا. وتحتل مصر المرتبة الـ 117 بين 180 دولة مدرجة على مؤشّر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، والمختص بقياس درجة فساد القطاع العام، ويُصنف البلدان والأقاليم من جميع أنحاء العالم تبعاً لمدى تفشّي الفساد في أجهزة الدولة. وتقع مصر في المرتبة الـ 96 بين 149 دولة مدرجة على مؤشّر الدولة الجيدة (The Good Country) والمختصّ بقياس مساهمة كل دولة في الصالح العام للبشرية، أي التأثيرات الخارجية، الإيجابية والسلبية لكل دولة خارج حدودها، باستخدام البيانات المتاحة والأكثر موثوقية.

بالعودة إلى "ريش" واتهامه بالإضرار بسمعة مصر، فأغلب الظن أن الزوبعة التي أعقبت عرضه في مهرجان الجونة السينمائي، أضافت إلى سمعة فيلم ولم تنقصها، وأكسبت الفيلم وأبطاله رصيداً من الشعبية والشهرة لم يتوقعوه. في المقابل، أساء "الغيورون" إلى سمعة مصر، فالدعوات إلى محاكمة أسرة الفيلم ومنع عرضه، والتعرّض لسمعة الممثلين، والتجريح بكراماتهم وإنسانيتهم، كلها ممارساتٌ شعبويةٌ تنتف من ريش سمعة مصر، المنتوفة أصلاً.

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.