عن عودة لولّا في البرازيل

02 نوفمبر 2022

لويس لولّا دا سيلفا في ساو باولو بعد تأكّد فوزه بالرئاسة (31/10/2022/الأناضول)

+ الخط -

فاز الرئيس البرازيلي السابق، لويس إيناسيو لولّا دا سيلفا، في الانتخابات الرئاسية في بلاده، وأطاح الحاكم الحالي، جاير بولسونارو، محقّقا انتصارا على أكثر من جبهة، انتصارا لشخصه بعد لحظات انكسار أدّت به إلى السجن بتهم فساد برّأته منها المحكمة أخيرا، وانتصارا لحزب العمّال الذي يقوده بعدما تلقّى ضربات موجعة منذ خروجه من الحكم قبل 12 سنة، وانتصارا لليسار في بلاده، وفي أميركا اللاتينية بصفة عامة، فعند تنصيب لولا رسميا رئيسا للبلاد في يناير/ كانون الثاني المقبل، ستكون أميركا الجنوبية تدار، إلى حد كبير، من حكومات يسارية أو اشتراكية في تشيلي والأرجنتين وبيرو وبوليفيا وكولومبيا وفنزويلا وهندوراس والسلفادور ونيكاراغوا وكوبا والمكسيك.

انتصار لولا نبأ سارٌّ أيضا، أولاً للبرازيل والبرازيليين الذين منحوه أصواتهم، ولكنه سارّ كذلك لكثيرين في العالم، لأنهم يرون فيه المنقذ لغابات الأمازون المطيرة التي تعد بمثابة رئة الأرض. لذلك تجاوزت فرحة انتخابه حدود بلاده، خصوصا أن هذا الفوز يأتي بعد أربع سنوات من السلطة اليمينية المتطرّفة التي فرضها الرئيس المنتهية ولايته، والذي ساهمت نزعته الاجتماعية المحافظة في تحويله إلى أكبر تهديدٍ للديمقراطية، عادى النساء والأقليات بتصريحاتٍ تمييزيةٍ مستفزّة، وتسارعت في عهده إزالة غابات الأمازون مع ما تسبب فيه ذلك من تأثير مباشر على حالة الاحتباس الحراري التي تعاني منها الأرض، من دون أن ننسى إدارته الكارثية وباء كورونا الذي أدّى إلى وفاة نحو سبعمائة ألف شخص، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى اتّباعه سياساتٍ مناهضةً للبيئة بصفة عامة، وإدلائه بتصريحات معادية للديمقراطية، تزدري مؤسّساتها مثل المحكمة العليا التي أخرج حكمُها لولا من السجن، وتنمّ عن ميول استبدادية مفزعة، وكلها أمور جعلته منبوذا في وسائل الإعلام الدولية، وساهمت في تأليب جزء غير يسير من الشعب ضدّه أطاحته أصواتهم في الانتخابات.

لذلك يرى مراقبون في انتصار لولا عقابا حادّا لأسلوب حكم بولسونارو الذي لم يكن قصة نجاح اقتصادية مبهرة، كما وعد بذلك ناخبيه عندما جاء إلى الحكم قبل أربع سنوات، وإنما كان رئيسا مثيرا للجدل في أحيانٍ كثيرة، ما أكسبه عن جدارة لقبا ساخرا "ترامب المناطق المدارية"، في إشارة إلى ديماغوجية الرئيس الأميركي السابق وشعبويته. وما زال تخوّف كبير يسود أوساطا كثيرة داخل البرازيل وخارجها من أن يحذو الرئيس الذي يرفض الاعتراف بهزيمته حذو نموذجه الأميركي، ويضع نفسه في تحدٍ للنتائج التي من شأنها أن تضع مؤسّسات البلد أمام اختبار صعب، قد يدخلها إلى حرب أهلية مدمرة، خصوصا بعد حملة انتخابية شهدت استقطابا شديدا ما بين شعبويتين، اليمينية المتطرّفة واليسارية التي يقول خصوم لولا إن إعادة انتخابه أعادت إحيائها، رغم أن البلاد جرّبتها في الماضي معه وأثبتت فشلها الذريع.

على لولا أن يعيد جيداً قراءة نتائج الانتخابات التي منحته تفويضاً محدوداً

في المقابل، تجسّد عودة لولا اليوم انتصارا للأفكار التقدّمية التي تدافع عن احترام حقوق المرأة والحفاظ على البيئة وعن التوزيع العادل للثروة في واحد من أغنى بلدان العالم، يعيش ربع سكانه الذين يبلغون نحو 214 مليون نسمة على حافّة الفقر والتشرد. ومقابل هذه الأخبار السارّة، ثمّة أنباء سيئة، فعندما يؤدّي لولا اليمين الدستورية لولايته الثالثة رئيساً، عليه إيجاد طريقة مبتكرة لحكم بلدٍ منقسمٍ بشدّة، وفي مواجهة فكر يميني متطرّف زرع خلفه بذرته في أوساط الشعب ويصعب اجتثاثها بسهولة داخل مجتمعٍ بات منقسما جذريا. وإذا كان يُنظر إلى عودة لولا إلى الحكم، وهو الخارج للتوّ من السجن، على أنها إنجاز كبير حقّقه رئيسٌ على مشارف نهاية عقده الثامن، فإن ما ينتظره أكبر من ذلك بكثير، ينتظره رفع التحدّي الملقى اليوم على كاهله للخروج ببلاده من الأزمات التي تعصف بها، والعودة بها إلى مصافّ الدول المتقدّمة، وينتظره إنقاذ شعبه من براثن الفقر، كما فعل في ولايتيه السابقتين، عندما أخرج ثلاثين مليون شخص من تحت حزام الفقر. وينتظره قبل ذلك توحيد صفوف البرازيليين وإنهاء حالة الاستقطاب الحاد التي تقسم مجتمعهم اليوم. وأخيرا ينتظر منه بعث رسالة أمل إلى البشرية من خلال الحفاظ على غابات الأمازون المطيرة من النهب والحرائق المفتعلة.

الكرة اليوم في ملعب لولا، وهذه فرصته الأخيرة، ليس لترميم جراحه الشخصية التي خلّفتها سنة ونصف السنة من السجن فحسب، وإنما لإعادة الثقة إلى مواطنيه في السياسة والسياسيين، ولاستعادة القيم النبيلة المفقودة والتغلب على الانقسام الحاد والعميق داخل المجتمع، الذي سيشكّل أكبر عائق أمامه لتنفيذ سياساته المستقبلية. لن يتعلق الأمر، هذه المرّة، فقط بإخراج ثلاثين مليون برازيلي من الفقر، ولا إنقاذ غابات الأمازون من الدمار. المهمة أكثر صعوبةً من ذلك، لأنه من أجل تحقيق هذه الأهداف على لولا إقناع البرازيليين بالحاجة إلى توحيد الجهود والبدء في إعادة بناء اقتصاد بلادهم، وإعادة إعمار غاباتهم، وقبل ذلك إنهاء سنوات بولسونارو واجتثاث فكره اليميني المتطرّف من البلاد. ولن ينجح الرئيس المنتخب في ذلك إلا بمدّ يده إلى يمين الوسط المعتدل لمحاصرة خصومه من اليمين المتطرّف، ونهج سياسة منفتحة تبتعد عن الشعارات الشعبوية اليسارية، وترسل رسائل طمأنينة إلى كل البرازيليين، بمن فيهم الذين منحوا أصواتهم لخصمه اليميني المتطرّف. على لولا أن يعيد جيدا قراءة نتائج الانتخابات التي منحته تفويضا محدودا لهزيمة غريمه، ولكنها وضعت أمامه تحدّيا كبيرا للعودة ببلاده إلى حالة التنمية والتعايش التي تركها عليها قبل 12 سنة من مغادرته قصر الحكم الذي يعود إليه اليوم منتصرا، لكن ليس كما دخله أول مرة قبل 20 سنة.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).