عن زيارة حماس المهينة دمشق

29 أكتوبر 2022

خليل الحيّة من حماس وعبد العزيز الميناوي من الجهاد الإسلامي في دمشق(19/10/2022/فرانس برس)

+ الخط -

مضت القيادة المتنفذة في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في عنادها، وأرسلت الأسبوع الماضي ممثلاً عنها للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، فأساءت الزيارة المهينة شكلاً ومضموناً إلى الحركة المقاومة، وأكدت انفصام قياداتها المتنفذة عن جمهورها العربي والإسلامي، وحتى المحلي، كما عن الواقع في سورية وفلسطين والمنطقة مع الأهداف الساذجة التي جرى وضعها للزيارة، ناهيك عن افتقاد ممثلها الخبرة اللازمة، كما تبدّى في مؤتمره الصحافي الذي ظهر فيه هاوياً ومستجدّاً وحديث عهد بالسياسة.

بداية، لا بد من التذكير بأن التفاوض على عودة "حماس" واستئناف العلاقة مع الأسد ونظامه جرى أساساً مع إيران وذراعها الإقليمي المركزي، حزب الله، لا مع النظام نفسه، وانتزعت طهران موافقة "حماس" للعودة ضمن شروط عدة، منها تبييض صفحتها مع ذراعها الإقليمي، كما رأينا في الخطاب عن "شهيد القدس"، قاسم سليماني، إضافة إلى مدائح ومبالغات من كتائب عز الدين القسام تجاه إيران ودعمها، والزعم حتى أن سليماني نفسه زار غزّة للإشراف على مشروع الأنفاق فيها، وصولاً إلى امتداح بشار الأسد ونظامه، باعتباره ركناً أساسياً في محور المقاومة المزعوم الذي سمحت طهران بعودة "حماس" إليه في مغالطة تاريخية وسياسية وواقعية كبرى.

جرى التفاوض على إعادة العلاقة كذلك مع روسيا الراعية الأساسية لنظام الأسد، والتي منعت سقوطه "الحتمي" إثر فشل إيران وأذرعها في تحقيق ذلك. هنا وفي سياق التفاوض لإعادة العلاقة مع الأسد، يجب الانتباه إلى أن بيان الحركة الأول صدر قبل توجه رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، إلى بيروت للقاء أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في يونيو/ حزيران الماضي. أما البيان الثاني المصرّ على استئناف العلاقة وتقويتها وتطويرها، فأصدرته الحركة عندما كان هنية نفسه في موسكو منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي. غير أن النظام تمنّع منطلقاً من فكرة أنه لا حاجة لحركة حماس، بعد أن هرولت تجاه حلفائه، ولهثت من أجل العلاقة معه وحصوله عملياً على ما يريده منها عبر تبييض صفحته، واعتباره ركناً أساسياً في محور المقاومة، حتى قبل الزيارة وعبر موافقة "حماس" على شروط إعادة العلاقة معه بتصريحاتٍ لا تنتهي عن محور الممانعة والمؤامرة الأممية المزعومة ضد النظام.

ورغم ذلك كله، وضع الأسد شرطين إضافيين لإعادة العلاقة مع الحركة، فيما يشبه تأكيد الانتصار عليها، تضمن الأول الاعتذار عن مغادرتها دمشق وانحيازها إلى ثورة الشعب السوري وقضيته العادلة، وفي الحد الأدنى رفضها التماهي مع روايته عن المؤامرة الأممية المزعومة ضده. والثاني، رفض (ومقاطعة) استقبال رئيس المكتب السياسي السابق مسؤول الخارج حالياً خالد مشعل وفريقه، باعتبارهم من قيادة "حماس" الإخوانية في الخارج غير المرحب بها، والمنخرطة في المؤامرة المزعومة، مقابل "حماس" غزّة أو "حماس" المقاومة في تصنيف للحركة وتقسيم لها، ما كان يجب أن تقبله أبداً القيادة المتنفذة في إقرارٍ منها بالمهانة وتخوين نصف وحتى ثلثي الحركة وجمهورها الفلسطيني، كون حماس الضفة الغربية والخارج ضد إعادة العلاقة مع الأسد.

لا فائدة من العلاقة مع نظام الأسد المعزول والفاقد الشرعية والسيادة مقابل خسارة الشارع العربي الإسلامي والأمة برمتها

ومع ذلك، ثمّة أربعة معطيات كان بإمكانها نسف صفقة العودة التي جرى التوصل إليها بين القيادة المتنفذة في "حماس" وإيران وحزب الله، قبل أن تدخل روسيا على الخط، لتأكيد نفوذها ولفت الانتباه عن مأزقها بعد ورطتها وعزلتها المتزايدة نتيجة غزوها أوكرانيا. الأول: بيان علماء المسلمين الذي وقّعه أبرز دعاة الأمة، وحذّر "حماس" من العلاقة مع نظام بشار الأسد وهدم الأساس الديني، ورفع الغطاء القداسي عن خطاب الحركة وسياستها، عبر علاقتها مع مجرم حرب قتل مليوناً من شعبه وشرّد عشرة ملايين، ودمّر نصف البلد، واستجدى الغزاة للحفاظ على سلطته الوهمية. والثاني، العدوان الإسرائيلي ضد غزة في أغسطس/ آب الماضي الذي رفضت القيادة المتنفذة في "حماس" الانخراط في مواجهته، واستغل إعلام النظام ذلك للإساءة حتى لـ "حماس" غزّة واتهامها بالتخلي عن المقاومة وترك حركة الجهاد الإسلامي وحيدة في الميدان، رغم أن النظام وحلفاءه فعلوا الأمر نفسه ليس تجاه حليفتهم في غزة، وإنما حتى تجاه غارات إسرائيل واعتداءاتها المتتالية ضد قواعدهم في سورية. والثالث، تقسيم أبواق النظام الإعلامية والناطقين باسمه "حماس"، وتصنيف أعضائها وقبول المصالحة أو الاعتذار، والعلاقة مع "حماس" المقاومة، لا "حماس" الإخوان المنخرطة في المؤامرة المزعومة ضد نظام الأسد ومحور المقاومة.

ثم أخيراً، شروط العودة المجحفة والإخراج المهين للزيارة المهينة بعد حوارات المصالحة الوهمية في الجزائر، واعتبار النظام نفسه شريكاً في ذلك، وعدم استقبال "حماس" بوفد رفيع كما العادة للقاء منفصل مع رئيس النظام بشار الأسد. وعدم الموافقة الفورية على فتح مكتب للحركة في دمشق بمجرد انتهاء الزيارة، واعتبارها مناسبة لافتتاحه، علماً أن هذا يمثل السبب الرئيس للعودة، كما تقول القيادة المتنفذة في "حماس" سرّاً وعلانية. وعملياً، جرى استقبال ممثل "حماس" ضمن وفد يرأسه أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، زياد نخالة، الذي تعطي الاستطلاعات حركته 3% مقابل أكثر من 30% لـ"حماس"، أي عشرة أضعاف، وجنباً إلى جنب مع فصائل هامشية لا وزن ولا قيمة لها، الوصف الذى ينطبق على نظام الأسد نفسه، حسب تعبير القيادي البارز في "حماس" في الضفة الغربية نايف الرجوب.

تجاوزت القيادة المتنفذة في الحركة كل المعطيات والاعتبارات السابقة، وهرولت باتجاه العودة، متجاهلة الرأي العام العربي والإسلامي، وإهانات نظام الأسد الفاقد للشرعية والسيادة حتى في مناطق سيطرته الوهمية. ثم جاءت كارثة المؤتمر الصحافي لمبعوث "حماس"، خليل الحيّة، التي قدّمت فكرة عن قدرات القيادة المتنفذة السياسية والإعلامية التي ينتمي إليها الحيّة أيضاً. وليس في هذا القول محاولة للتشكيك في تاريخهم ولا حتى تضحياتهم، إنما المشكلة الكبرى في قدراتهم القيادية واجتهاداتهم وعدم مناسبتهم للمواقع التي وجدوا أنفسهم فيها، متخطّين العملية الانتخابية بديمقراطية مُجتزأة، بما في ذلك تجاوز اللوائح الداخلية في الانتخابات أخيراً لفرض فوز مسؤول القيادة المتنفذة الفعلي، يحيى السنوار، بعهدة قيادية جديدة في غزة.

لا تبدو القيادة المتنفّذة في "حماس" حديثة العهد بالسياسة، متنبهة كفاية للخطر الاستراتيجي عليها، وعلى المشروع المقاوم في فلسطين

تحدّث الحية في دمشق عن إجماع قيادي على المصالحة، وإعادة العلاقة مع الأسد، وهذا غير صحيح. وقال إن أياً من الحلفاء أو الأصدقاء لم يعترض عليها. وهذا صحيح شكلاً، كونهم لا يتدخلون أبداً في قرارات الحركة وسياساتها، ثم قال إنه جرى تشجيعهم على المضي، وهذه مبالغة وخفة وسذاجة، فالحقيقة غير ذلك، ما اضطره إلى نفي تصريحه وسحبه صباح اليوم التالي.

بناء على ما سبق، واضح أننا أمام خضوع موصوف من القيادة المتنفذة في "حماس" لشروط إيران، من أجل عودة الدعم المالي والتصرّف وكأن حدود العالم تنتهي عند غزة. وفي العموم، لا فائدة من العلاقة مع نظام الأسد المعزول والفاقد الشرعية والسيادة مقابل خسارة الشارع العربي الإسلامي والأمة برمتها التي أشار إليها الحيّة في مؤتمره الصحافي بدمشق، وتباهت "حماس" دوماً بأنها ممثلها الشرعي في فلسطين، ليس فقط من مراكش إلى البحرين، وإنما أيضاً من ماليزيا إلى طنجة، رفضت العودة المهينة، ورفعت صوتها عالياً عبر علمائها وممثليها الشرعيين من أجل "حماس" وفلسطين وقضيتها العادلة.

ولا يقل خطورة عما سبق وجود مخاوف جدّية بشق حركة حماس نفسها، وإضعاف تيار وتهميشه واتهامه وشيطنته وتخوينه لصالح تيار آخر. ولم يحدث هذا في تاريخ الحركة أبداً. وللأسف، لا تبدو القيادة المتنفذة، حديثة العهد بالسياسة، متنبهة كفاية لهذا الخطر الاستراتيجي عليها، كما على المشروع المقاوم في فلسطين بشكل عام.