عن حزب الكنبة الفلسطيني
شاع تعبير حزب الكنبة مع ثورة يناير المصرية، في وصف لشريحة عريضة من الجمهور تختار الفرجة على مجريات الأحداث عبر شاشات التلفاز، من دون الاكتراث بالمشاركة الميدانية. ويفضّل أعضاء الحزب الفرجة على المشاركة لأسباب كثيرة، تتراوح بين اللامبالاة والشعور باللاجدوى. وغالبا ما يُربك أصحاب "الكنبة" استطلاعات الرأي العام التي تقف عاجزة عن رصد توجهات هذه الشريحة الصامتة، أو تحديد حجمها، أو قياس مدى تأثير غيابها في مجمل المشهد السياسي، لا سيما في استحقاقات انتخابية كالتي يستعد لها الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
وعلى الرغم من كل الحراك النشط الذي تشهده المناطق الفلسطينية المعنية بالانتخابات المقررة، وما تشير له تقارير كثيرة من توقعات بمشاركة واسعة للناخبين الفلسطينيين، قد تفوق 96%، حسب نتائج استطلاعٍ للرأي أجراه منتدى العلاقات الدولية للحوار والسياسات، إلا أن من غير الواضح إذا ما كانت الشريحة العريضة من الناخبين الفلسطينيين سوف تتوجه إلى صناديق الاقتراع فعلاً، أم أنها ستلزم الكنبة وتكتفي بالفرجة عبر الشاشات أو الشرفات. ومن غير الواضح بعد، إذا ما كان الجمهور الفلسطيني المتحمس للانتخابات، كونها السبيل الوحيد للخروج من الجمود الذي يخيم على الساحة الفلسطينية منذ سنوات، سيُترجم هذا الحماس إلى فعل.
في انتخابات العام 2006، وهي آخر انتخابات تشريعية جرت في مناطق السلطة الفلسطينية، أقبل الجمهور على صناديق الاقتراع بدوافع كانت واضحة، فقد أقبل الفتحاويون على صناديق الاقتراع لغايتين: التصويت لصالح تنظيمهم التاريخي، ومنع تراجعه مقابل مرشحي حركة حماس، أو التصويت لصالح مرشحي حركة حماس، احتجاجا على قيادة "فتح"، وللتعبير عن سخطهم على حزب السلطة الذي فشل في تحقيق ما وعد به، عندما انخرط في عملية السلام وما تلاها من أزمات سياسية واقتصادية في الأراضي الفلسطينية. أضف إلى ذلك تفرّد ثلة من القيادات الفتحاوية، والمحسوبين عليهم، بمعظم الوظائف الحكومية والمراكز القيادية والامتيازات المالية. وبالفعل، ساهم التصويت الانتقامي، في العام 2006، من شريحة فتحاوية عريضة في خسارة "فتح" الانتخابات، وتقدّم حركة حماس التي حصلت على 74 مقعدًا، إضافة إلى أربعة مستقلين كانوا محسوبين عليها، من أصل مجموع مقاعد المجلس، وعددها 132، فيما فازت حركة فتح بـ 45 مقعدًا، وحصلت بقية القوائم على تسعة مقاعد. في المقابل، حشدت حركة حماس كل قواعدها من منتسبين ومناصرين ومتعاطفين للتصويت لصالح مرشّحي الحركة لتحقيق انتصار كاسح على "فتح" التي احتكرت قيادة السلطة الوطنية والنفوذ فيها، منذ تأسيس هذه السلطة في 1994. ساهمت حدّة التنافس بين جمهور "فتح" (بمن في ذلك الناقمون) وجمهور حركة حماس في رفع نسبة المشاركة في تلك الانتخابات، إذ بلغ عدد المصوّتين مليونا و42 ألف ناخب من أصل عدد المسجّلين البالغ مليونًا و350 ألفًا.
من غير الواضح إذا ما كان السواد الأعظم من الجمهور الفلسطيني سيخرج للتصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة، أم أنه سيفضّل التزام الكنبة. على الرغم من الغموض الذي يحيط بامكانية إجراء هذه الانتخابات، فإن غزارة قوائم المترشّحين تشير إلى حماسة غير مسبوقة في المشهد الانتخابي. ومع ذلك، من غير الواضح إذا ما كان عدد المرشّحين الكبير، وتعدد القوائم، سيدفع بمزيد من الناخبين للتوجه نحو صناديق الاقتراع أم أنه سيستثني ناخبين كثيرين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، وتفضيلهم المكوث في مقاعد الفرجة، بدل تكبد عناء الذهاب إلى مراكز الاقتراع، للتصويت في انتخاباتٍ قد تزيد طين الوضع الفلسطيني بلّة، بدلاً من إخراجه من حالة السبات الطويل.
عامل آخر قد يزيد من إحجام الجمهور عن المشاركة، وبالتالي تضخيم حزب الكنبة، يتمثّل في غياب برامج سياسية واضحة لقوائم كثيرة مسجلة، أو عدم وجود فروق قيّمة في برامج القوى السياسية المتنافسة، سيما حركة فتح وتفرعاتها، وحركة حماس، وهو العامل الذي لعب دوراً حاسماً في انتخابات 2006، يوم نافس برنامج المقاومة برنامج أوسلو.