عندما ترفض الهند طمأنة الصين في أزمة تايوان

02 سبتمبر 2022

فنان هندي في مومباي يرسم لوحة لبيلوسي ورئيسة تايوان تساي إنغ ون (2/8/2022/Getty)

+ الخط -

أدت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان يوم 2 أغسطس/ آب 2022 إلى أزمة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وهذه الأزمة أدّت إلى تساؤلات بشأن احتمال نشوب حرب في تايوان. وكما في حالة الحرب الروسية في أوكرانيا، اتجهت الأنظار إلى مواقف الدول الإقليمية القريبة من الصين، وفي مقدمتها الهند التي يبدو أنها ترفض إعادة التأكيد على سياسة "الصين الواحدة"، أي ترفض طمأنة بكين. وتعني هذه السياسة أن الهند لا تعترف بأي حكومة أخرى غير "جمهورية الصين الشعبية" في بكين، ورفض إعادة التأكيد يستفزّ الصين، ويفتح الباب لسيناريوهات توتر هندي صيني في مناطق متنازع عليها بين البلدين، ويعطي مؤشّرا عن التحالفات الممكنة في حالة نشبت حرب.
في إطار جولتها الآسيوية، زارت بيلوسي سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان، وقامت بزيارة غير معلنة إلى تايوان، لتكون هي أعلى رتبة أميركية تزور تايوان منذ 25 عاماً. رداً على ذلك، أطلقت الصين التي تعد تايوان جزءأ لا يتجزأ من أراضيها أكبر مناورات عسكرية جوية وبحرية في مضيق تايوان في 4 أغسطس/ آب. كما أعلنت إجراء تدريبات ومناورات عسكرية جديدة (8 - 15 أغسطس/ آب).
لم يمض 12 يوماً على زيارة بيلوسي، حتى وصل وفدٌ برلماني أميركي إلى تايوان في زيارة استمرت يومين (14-15 أغسطس/ آب) في "إطار زيارة أوسع إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ". واصلت بكين تدريباتٍ عسكريةً جديدة رداً على الاستفزازات الأميركية على حد تعبيرها. 
وفي خطوة جديدة، والأولى من نوعها منذ تصاعدت وتيرة التوتر في "أزمة تايوان" بين بكين وواشنطن، أبحرت سفينتان حربيتان تابعتان للبحرية الأميركية في المياه الدولية في مضيق تايوان، وذلك يوم 28 أغسطس/ آب. أفادت البحرية الأميركية، في بيان، بأن عبور السفينتين "يُثبت التزام الولايات المتحدة بمنطقة حرّة ومفتوحة في المحيطين الهندي والهادئ". في المقابل، قال الجيش الصيني، في بيان، إنّهُ يراقب عبور سفن تابعة للبحرية الأميركية في مضيق تايوان؛ وتستغرق عمليات المرور ما بين 8 و12 ساعة، حتى تكتمل وتخضع للمراقبة من كثب من الجيش الصيني. مؤكّداً أن القوات الصينية "جاهزة لمواجهة أي تدخل".

اتبعت الهند "سياسة الصين الواحدة" منذ عام 1950؛ عندما أنشأت العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية

في ظل التوترات الحادّة بين بكين وواشنطن، شدّدت الصين على "مبدأ الصين الواحدة"، ودعت دول العالم إلى التأكيد على "الصين الواحدة". وفي هذا السياق، قال السفير الصيني في نيودلهي، سون ودونغ، يوم 3 أغسطس/ آب "إن الصين تأمل في أن تواصل نيودلهي دعم مبدأ الصين الواحدة".
في اليوم التالي لهذا الطلب الصيني الصريح من الهند، عُقد اجتماع وزراء خارجية "آسيان" (قمة رابطة جنوب شرق آسيا) في 4 أغسطس/ آب 2022، وناقش الأوضاع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث التزمت الهند "بالصمت الدبلوماسي"؛ وتجاهلت الحديث عن "أزمة تايوان". وصف محللون سياسيون عديدون موقف الهند بشأن أزمة تايوان "بالصمت المدروس"؛ الذي قد يكون له أبعاده السياسية والاستراتيجية، الخاصة بالمحادثات بشأن النزاعات الحدودية بين نيودلهي وبكين. 
جاء التعليق والرد الأول للهند بشأن الوضع في تايوان في 12 أغسطس/ آب؛ حيث نقلت قناة "إن دي تي في" الهندية، في نشرتها الناطقة بالإنكليزية عن المتحدّث باسم وزارة الخارجية الهندية، أريندام باجشي، في مؤتمر صحافي، "تدعو الهند الأطراف إلى تجنب إجراءات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في المنطقة"، مضيفاً أن "سياسات الهند ذات الصلة معروفة وثابتة، وهي لا تتطلب إعادة التأكيد عليها". دعا هذا الخطاب الهندي الذي يتفادى ذكر "سياسة الصين الواحدة" بكين لتطلب ثانية من نيودلهي في 13 أغسطس/ آب "إعادة تأكيد دعمها سياسة "الصين الواحدة". 
كانت الهند قد اتبعت "سياسة الصين الواحدة" منذ عام 1950؛ عندما أنشأت العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. ويعود الامتناع عن تأكيد سياسة "صين واحدة"، إلى العام 2008، حيث كانت المرّة الأخيرة التي أكّدت فيها الهند تلك السياسة. في حين توقفت الهند عن ادّعاء "سياسة الصين الواحدة" في البيانات الرسمية والإعلانات المشتركة عام 2010؛ ردّاً على إصدار الصين "تأشيرات تدبيس" للمواطنين الهنود في جامو وكشمير وأروناتشال براديش الذين يسافرون إلى الصين. وتستخدم "التأشيرة المدبّسة" بين الدول المعادية لبعضها بعضا، إذ لا يتم وضع أختام الدولة التي تزورها على جواز السفر. وتنتهج الصين تلك السياسات في إطار أن تلك المناطق "متنازعٌ عليها". في المقابل، تعتبر الهند تلك المناطق جزءا من أراضيها. ولكن امتناع الهند في سياق الأزمة الراهنة بشأن تايوان يكتسب دلالات مضاعفة وأهمية إضافية.

ما يفصل الحدود الجغرافية بين الهند والصين يسمّى "خط سيطرة الأمر الواقع"

تستخدم الهند منذ العام 2010 تعبير "موقفها المعروف"، بدلاً من ذكر "سياسة الصين الواحدة" صراحةً. وبالتالي، يثير موقف الهند "المعروف" حالة "غموض دبلوماسي سياسي استراتيجي"، وذلك تماشياً مع وضع "المحادثات الحدودية" مع بكين بشأن طلب اعتراف مقابل بـ "مبدأ الهند الواحدة"، فالمفاوضات والنزاعات الحدودية الصينية الهندية، جعلت إعادة نيودلهي التأكيد على سياسة "الصين الواحدة" ذا حساسية خاصة، لأنه قد لا يعني الاعتراف بأن تايوان جزء من أراضي الصين فحسب، بل أيضاً الاعتراف بأن "الأراضي المتنازع عليها" بين البلدين جزء من الصين.  
يرى محللون أنهُ بمجرد تحقيق الصين "إعادة التوحيد" لتايوان، سيكون هناك فرص أكبر لاستحواذ الصين على مناطق متنازع عليها مع الهند. لذلك من المهم والضرورة معرفة كيف تنظر نيودلهي إلى التحرّكات والمناورات الصينية في تايوان؛ إذ بدأ السؤال يطرح نفسه بشأن الهدف التالي لبكين، وأي منطقة متنازع عليها مع الهند تتطلع إليها الصين بعد تايوان؟ 
جدير بالذكر أن ما يفصل الحدود الجغرافية بين الهند والصين يسمّى "خط سيطرة الأمر الواقع"، والذي يتضمّن الحدود المتنازع عليها بين الجانبين، وذلك من "ولاية أروناتشال براديش" في الشرق إلى "إقليم لاداخ" في الغرب (من الجزء الغربي الشمالي إلى شمال الهند). وهو الواقع الجغرافي والسياسي والعسكري بين نيودلهي وبكين؛ الذي يفسّر "سياسة الصين الواحدة" مقابل "مبدأ الهند الواحدة"، فالأغلب أن نيودلهي تتجنّب إثارة الجدل مع بكين في وقت حسّاس في أعقاب "أزمة تايوان"، في إطار المحادثات الحدودية التي تتضمّن "حوارات سياسية استراتيجية" بين الطرفين لحل الأزمات العالقة بينهما. وبالتالي، قد تستخدم الهند مسألة تايوان إحدى البطاقات للضغط على الصين لتقديم تنازلاتٍ في "المحادثات الحدودية" بين البلدين.

احتمال "إعادة توحيد" تايوان أكثر صعوبة مما هو عليه الآن، فالهند الدولة الوحيدة التي يمكنها فتح "ساحة معركة ثانية" للصين

في هذا السياق، أصبح السؤال: هل تنسق نيودلهي مع شريكتها الولايات المتحدة خططا للاستعداد لمواجهة الصين؛ إذ لطالما تُعتبر مواجهة النفوذ الصيني في آسيا "هدفا مشتركا" بين نيودلهي وواشنطن. ومثل هذا السؤال ذو أهمية خاصّة، لأنّه يرتبط بمجمل الاستقطاب والتحالفات الدولية، إذا ما استمر التوتر في العلاقات الأميركية الصينية بالاتساع.
بدأت "النسخة الثالثة عشرة من مناورات القوات الخاصة المشتركة بين الهند والولايات المتحدة" في 8 أغسطس/ آب 2022، في باكلوه بولاية هيماشال براديش. وأوضح البيان المشترك للتدريب، "خلال 21 يوماً المقبلة، ستقوم فرق من كلا الجيشين بتدريب وتخطيط وتنفيذ سلسلة من العمليات الخاصة والعمليات المحمولة جواً في سيناريوهات محاكاة تقليدية وغير تقليدية في التضاريس الجبلية". كما ستجري الهند والولايات المتحدة النسخة الثامنة عشرة من التدريبات "يوده أبهاياس" (ممارسة الحرب) في ولاية أوتارانتشال الهندية على بعد أقل من مائة كيلومتر من الحدود المتنازع عليها مع الصين. في وسط "سيناريو الأمن الإقليمي سريع التطور". ومن المقرّر إجراؤها من 14 إلى 31 أكتوبر / تشرين الأول المقبل. 
يزعم الاستراتيجيون الصينيون أن الهند اختارت "عن عمد" هذا الزمان والمكان لإجراء التدريبات؛ يبدو أنّهُ تذكير للصين بأنها قد تضطرّ إلى مواجهة أزمة "الحرب على جبهتين". ووفقاً لمحللين وخبراء عسكريين، لدى الصين القدرة على إدارة نزاعين في وقت واحد؛ إذ يقدر الجيش الصيني بـ 2,695,000 جندي عسكري مدرّب، ولديها أكثر من 900 ألف جندي نشط. وتحتفظ الصين بـ 60 ألف جندي على حدودها مع الهند. ويتفق معظم الخبراء على أن الصين تحتاج للغزو من 300 إلى 400 ألف جندي. لكنها لا تستطيع تحقيق مطالبتها في النزاعات الحدودية مع الهند من خلال حربٍ صغيرة، بل ستحتاج إلى خوض حرب شاملة ضد الهند. وهو ما يقلق الصين بخوض حربٍ مع الهند قبل الأوان من "السيطرة" على تايوان. في مثل هذه الحالة، قد يكون احتمال "إعادة توحيد" تايوان أكثر صعوبة مما هو عليه الآن، فالهند الدولة الوحيدة التي يمكنها فتح "ساحة معركة ثانية" للصين.

يمكن الأخذ بالاعتبار رؤية الرئيس الصيني بينغ بشأن تايوان، إذ تعد "إعادة توحيد تايوان" أولوية قصوى

ستكون الهند على استعداد لمواجهة أي تصعيد صيني محتمل خارج عن السيطرة في تايوان. وبالتالي، مدى تأثيره على النزاعات الحدودية بين الهند والصين. وسيعتمد ذلك على التطورات المقبلة للأزمة التايوانية، وتطلعات "مؤتمر الحزب العشرين"؛ إذ يعقد الحزب الشيوعي، الحاكم في الصين، مؤتمراً رئيسياً كل خمس سنوات، ومن المقرّر عقده في بكين قبل نهاية العام. لم يتم الإعلان عن الموعد، لكن محللين يتوقعون عقده من منتصف الشهر المقبل (أكتوبر/ تشرين الأول) إلى أواخره، أو أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني. ومن المتوقع أن يضمن شي جين بينغ فترة ثالثة قائدا في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني. وفي سياق ذلك، يمكن الأخذ بالاعتبار رؤية الرئيس الصيني بينغ بشأن تايوان، إذ تعد "إعادة توحيد تايوان" أولوية قصوى؛ حيث نصّ قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 على أن "حل قضية تايوان وتحقيق إعادة التوحيد الكامل للصين مهمة تاريخية والتزاماً لا يتزعزع من الحزب".
ربما تتجه الهند إلى إعادة التفكير بسياسة "الصين الواحدة"، وبالتالي، إعادة تقييم علاقتها مع تايوان فقط في إطار سيناريو "التغير الجغرافي السياسي" للوجود الصيني على الحدود المتنازع عليها مع الهند، ويصبح احتمالاً شديداً لنيودلهي، في حالة اندلاع حرب شاملة بين الهند والصين. ربما هذا ما قصد به وزير الخارجية الهندي، جايشانكار، عبر تفاعله مع الطلاب في جامعة PES في بنغالور في 12 أغسطس/ آب، ردّاً على أحد الأسئلة عن تداعيات التوتر الحالي بين الصين وتايوان على الهند، أجاب، "حتى الآن، الوجود الصيني موجود فقط في شمالنا، والهند تريد "تقييم ومراقبة" التوتر بين الصين وتايوان وتداعياته على البلاد".
وعليه، إذا أرادت الصين من الهند الحفاظ على "سياسة الصين الواحدة"، فعلى بكين أن تدرك حساسية نيودلهي في ما يتعلق بوحدة أراضيها، وبمطالبها بشأن "مبدأ الهند الواحدة"، وإلا فإنّ سيناريوهات تطور التعاون الهندي الأميركي في مواجهة الصين غير مستبعدة، بما في ذلك تبنّي مواقف منسّقة بشأن تايوان، كما سيناريوهات التوتر الهندي الصيني ليست مستحيلة.