الانتخابات البرلمانية الهندية: فوز متوقّع ونتائج مفاجئة

17 يونيو 2024

أنصار لحزب المؤتمر الوطني في تجمع انتخابي في نيودلهي (25/5/2024 فرانس برس)

+ الخط -

أعلنت مفوضية الانتخابات الهندية يوم الثلاثاء 4 يونيو/حزيران الحالي (2024)، نتائج انتخابات مجلس النوّاب (لوك سابها)، التي امتدّت على سبع مراحلَ، موزّعة بين 28 ولاية وثمانية أقاليم اتحادية هنديّة، منذ 19 إبريل/نيسان الماضي، لاختيار مجلس نوّاب جديد للسنوات الخمس المُقبلة. وبحسب النتائج، فاز حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) بـ240 مقعداً، من أصل 543 مقعداً مُنتخباً في مجلس النوّاب، ما يعني حصوله على أكبر عدد من المقاعد، مُقارنة بالأحزاب المُرشّحة الأخرى، من دون فوزه بالأغلبية المطلوبة (272 مقعداً) لتشكيل الحكومة مُنفرداً. من هنا، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في العاشر من الشهر الحالي (يونيو/حزيران)، تشكيله حكومة ائتلافية إلى جانب التحالف الوطني الديمقراطي، لتصبح أغلبية الائتلاف الحكومي 293 مقعداً. كانت التوقّعات فوز حزب الشعب وبقاءه في السلطة لولاية ثالثة، قبل إعلان نتائج الانتخابات الهندية ولم تكن متوقّعة حاجة الحزب إلى "حكومة ائتلافية". بخلاف فوز حزب الشعب بـ 240 مقعداً في انتخابات 2024، حصل الحزب على 282 مقعداً في انتخابات 2014، وحقّق الأغلبية في انتخابات 2019، بعد فوزه بـ303 مقاعد، فتمكّن الحزب في الولايتَين السابقتَين، من تشكيل حكومة منفرداً، ما يعني أن الحزب خسر 63 مقعداً مقارنة بالانتخابات السابقة.
بنتائج الانتخابات البرلمانية الهندية التي جرت، أخيراً، يواجه حزب الشعب مُعضلتَين: الحاجة إلى الدخول في ائتلاف لتشكيل الحكومة الجديدة. والصعود غير المُتوقّع لقوى المعارضة الرئيسية، حزب المؤتمر الوطني الهندي (الكونغرس)، الذي فاز بـ99 مقعداً مقابل 52 مقعداً في عام 2019، أي بزيادة 47 مقعداً، أي إنّه اقترب من مضاعفة عدد مقاعده في مجلس النواب، وانخفض الفارق في المقاعد بين حزبي المؤتمر والشعب من 251 مقعداً (2019) إلى 141 مقعداً (2024)، أي بانخفاض 110 مقاعد في مجلس النوّاب. كما حصد حزب المؤتمر مع حلفائه 232 مقعداً (2024)، مقابل 91 مقعداً (2019)، بزيادة 141 مقعداً، ما يقلصّ الفرق بين معسكر حزب الشعب والأحزاب الحليفة له، مقابل حزب المؤتمر والأحزاب الحليفة له، وأصبح الفارق 61 مقعداً (2024) مقابل 262 مقعداً (2019)، أي بانخفاض قدره 201 مقعد في مجلس النوّاب. هذا كلّه من شأنه أن يقلّل من نفوذ حزب الشعب في مجلس النوّاب، ويجعل المعارضة أقوى.

جاءت النتائج رغم إجراءات وخطوات قانونية ودستورية اتخذها حزب الشعب خلال وجوده في السلطة في إطار سعيه إلى ضمان الفوز في الانتخابات

فوز أقلّ من الطموحات
وجاءت هذه النتائج، رغم إجراءات وخطوات قانونية ودستورية سبق أن اتخذها حزب الشعب خلال وجوده في السلطة؛ في إطار سعيه إلى ضمان الفوز في الانتخابات الهندية أقرّ الحزب مشاريع قوانين عدّة، نجح بعضها في مجلس النوّاب ليصبح قانونيّاً وقابلاً للتنفيذ. ولعلّ أهمها تعديل قانون المواطنة والجنسية، وإعادة التقسيم الإداري لبعض المناطق والأقاليم والولايات الهندية، الأمر الذي أدّى إلى توزيع الطوائف الدينية، ومن ثم توزيع أصواتها في أكثر من دائرة اقتراعٍ، كما حدث في ولاية جامو وكشمير.
وكانت الهيئات الحكومية قد أجرت تحقيقات جنائية ضدّ زعماء المعارضة وأحزابها، في فبراير/ شباط الماضي، وجمّدت سلطات الضرائب مؤقّتاً الحسابات المصرفية لحزب المؤتمر؛ في إطار التحقيق في الإقرارات الضريبية للحزب عن السنة المالية 2018 - 2019. وفي الشهر التالي (مارس/ آذار)، اعتقل رئيس حكومة ولاية دلهي أرفيند كيجريوال، زعيم حزب آم آدمي المعارض، وأحد قادة ائتلاف التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل (Indian National Developmental Inclusive Alliance)، كتلة الهند (INDIA)؛ بتهمة الكسب غير المشروع فيما يتعلّق بمنح تراخيص بيع وشراء وتصنيع مشروبات كحولية. وفي الشهر الماضي (مايو/أيار)، أعلنت المحكمة العليا في نيودلهي "أنّ بإمكان كيجريوال مغادرة السجن مؤقّتاً للمشاركة في حملة الانتخابات الهندية"، وجاء في حكم المحكمة "لا شكّ في أنّ اتهامات خطيرة وجّهت إليه، لكنه لم يُدَن". وفي مارس/آذار من عام 2023، استُبْعِد المقعد النيابي لراهول غاندي من مجلس النوّاب، بعد إدانته بتهمة التشهير على خلفية تصريحات أدلى بها ضدّ عائلة مودي، واستعاد مقعده البرلماني، بعد ما استأنف الحكم أمام المحكمة العليا، وأوقفت المحكمة قرار حكم التنفيذ في أغسطس/ آب من العام ذاته.
إذاً، نجح حزب الشعب الهندي، بقيادة رئيس الوزراء مودي، في الفوز بولاية ثالثة على التوالي في السلطة، لكنّ هذا الفوز أقلّ بكثير من طموحات الحزب، الذي طلب صراحة من الشعب منحه أربعمائة مقعد في مجلس النوّاب. وعدا عن خسارة الحزب 63 مقعداً، خسر حلفاؤه 60 مقعداً من أصل 353 مقعداً (2019).

في مواجهة المعارضة

قد تفرض مشاركة "التحالف الوطني الديمقراطي" ضمن مكوّنات الحكومة الجديدة على مودي تغييرات في سياسات الحكومة. وتداولت تقارير صحافية أنباء عن الحقائب الوزارية الرئيسية بين حزب الشعب والحلفاء، وقال محلّلون "إنّه قد يكون هناك بعض الغضب بشأن اختيارات الحكومة، ولكن ليس هناك تداعيات فورية". ورأى آخرون أنّ مودي "تمكّن من التغلّب على حلفائه للاحتفاظ بجميع الحقائب الوزارية المُهمّة لإثبات الاستمرارية، ويبدو أنّهم وافقوا"؛ وقد مُنِحَ نوّاب "التحالف" خمس حقائب مُهمّة من حقائب الحكومة الوزارية الـ30.
بعد التقدّم المفاجئ لحزب المؤتمر وحلفائه، صوّتت قيادة حزب المؤتمر في اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب، يوم 8 يونيو/حزيران 2024، بالإجماع، على التوصية بانتخاب راهول غاندي رسمياً زعيماً للمعارضة في الهند، وباعتبار حزب المؤتمر جزءاً من ائتلاف المعارضة الهندية، وسيُطْرَح الترشيح أمام اجتماع تحالف المعارضة، الذي يضم 232 عضواً برلمانياً. ومع ذلك، سيُنْتَخَب راهول زعيماً رسمياً للمعارضة التي يقودها حزب المؤتمر في مجلس النوّاب، وهو الحزب الوحيد من بين أحزاب ائتلاف المعارضة، الذي يملك النسبة القانونية لتمثيل منصب زعيم المعارضة في مجلس النوّاب؛ إذ تشترط اللوائح البرلمانية في الهند أن يكون زعيم المعارضة ممثّلاً لحزب يسيطر على ما لا يقل عن 10% من مقاعد مجلس النواب. وفي مقابل الخسائر المتتالية التي مني بها حزب المؤتمر بفوزه بأقلّ من هذه النسبة في السنوات الأخيرة، حصل على 21.19% من مقاعد مجلس النوّاب في انتخابات 2024.

وفي حملة انتخابية معاكسة لخطط حزب الشعب سلّطت أحزاب المعارضة الضوء على قضايا اقتصادية واجتماعية مثل البطالة والتضخّم

يمكن تفسير التغيير البرلماني المفاجئ من خلال ما طرحته الأحزاب السياسية الهندية خلال حملاتها الانتخابية، ففي صورة تختلف بعض الشيء عن الحملات الانتخابية في الفترتَين السابقتّين (2014 و2019) لحزب الشعب، التي قامت على تقديم برامج اقتصادية، والتعهد بتحويل الهند لدولة متقدمة في النظام الدولي، وقد وضعت هذه البرامج الهند، فعلياً، في المركز الخامس في تصنيف الناتج المحلّي الإجمالي العالمي في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت الهند عاشر أكبر اقتصاد عالمي، حاول حزب الشعب بقيادة مودي، في حملته الانتخابية (2024)، إيجاد حالة من "التوافق" و"التكامل" بين الاسترشاد بإنجازاته الاقتصادية السابقة وما يمثّله حزبه من الأيديولوجية الطائفية الهندوسية. وبينما اتهم حزب مودي المعارضة باسترضاء الأقلية المسلمة، ظهر فيديو كارتوني في مايو/ أيّار الماضي، نشره حساب رسمي لحزب الشعب في منصّة إكس، يُشير إلى "سياسيين معارضين يخططون لإلغاء برامج العمل الإيجابي الخاصة للمجموعات الهندوسية المهمّشة وتوزيعها بدلاً من ذلك على المسلمين". وجرى حذف الفيديو؛ بعد أن أرسلت لجنة الانتخابات رسالة إلى مكتب المنصّة، قائلة إنّ المنشور "غير المرغوب فيه" ينتهك القانون الانتخابي الهندي الذي يمنع تنظيم الحملات الانتخابية على أساس "التحريض الطائفي".
في المقابل، وفي حملة انتخابية معاكسة لخطط حزب الشعب، سلّطت أحزاب المعارضة الضوء على قضايا اقتصادية واجتماعية، مثل البطالة والتضخّم، وبدأت حملاتها الانتخابية ضدّ "سياسة الكراهية" التي ينتهجها مودي وحزبه. وجرى الاسترشاد بالدستور لمواجهة الهجمات وسيطرة حزب الشعب على المؤسّسات في محاولته للحدّ من الديمقراطية، والقضاء على علمانية الدولة. وقد شكّلت المعارضة التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل، الذي يضمّ عدة أحزاب سياسية في الهند بقيادة حزب المؤتمر، وتشترك جميعها في رفضها سيطرة حزب الشعب بقيادة مودي، وأيديولوجيته الهندوسية على البرلمان الهندي. وقدّمت أحزاب المعارضة مُرشّحاً واحداً مشتركاً في الدوائر الانتخابية. وأدّى ذلك إلى توحيد أكبر عدد ممكن من "الأصوات المناهضة" من الناخبين في الدوائر الانتخابية، ومن ثم تأمين مزيد من المقاعد النيابية في كلّ دائرة انتخابية.
والمثال الواضح على توجه الناخبين الهنود نحو حقوقهم، بعيداً عن الرؤية الأيديولوجية الهندوسية التي تبنّاها حزب الشعب في حملته الانتخابية، تجلّى في نتائج الانتخابات الهندية في ولاية أُتّر برديش، شمال الهند. إحدى مفاجآت تلك الولاية هي نتائج الانتخابات لمنطقة أيودهيا (أودهبوري)، أول موقع من أهم مواقع الحج السبعة (موكشدايني سابت بوريس) للهندوس، التي افتتح رئيس الوزراء مودي معبداً هندوسياً (رام) فيها مطلع العام الجاري (2024). وبُنِي المعبد على أنقاض المسجد البابري، الذي هدمه "الهندوس المُتطرّفون" عام 1992. وبينما قاطع معارضون كثيرون افتتاح المعبد؛ وقالوا إنّ مودي يستخدمه لتحقيق مكاسب سياسية، لجذب مزيدٍ من الناخبين ذوي الأغلبية الهندوسية، إلّا أنّ نتائج انتخابات أيودهيا جاءت مخالفة للحسابات الانتخابية لمودي وحزبه؛ إذ تمكّنت المعارضة من انتزاع مقعد حزب الشعب في منطقة أيودهيا. وقال المُحلّل السياسي أمارناث أغاروال: "لقد اعتقدوا أنّ قضية معبد رام ستضمّن لهم الفوز، لكنّهم تجاهلوا قضايا مُهمّة مثل الوظائف والتضخّم".
وفي الولاية نفسها، أُتّر برديش، التي تضمّ 80 مقعداً منتخباً من أصل 543 مقعداً في مجلس النوّاب، مُني حزب الشعب بأعلى الخسائر البرلمانية؛ بعد حصوله على 33 مقعداً مقابل 62 مقعداً (2019)، أي خسر 29 مقعداً، فيما حصل الحزب الاشتراكي (ساماجوادي) على 37 مقعداً مقابل خمسة مقاعد (2019)، بزيادة 32 مقعداً. وحصل حزب المؤتمر ستة مقاعد مقابل مقعد واحد (2019)، بزيادة خمسة مقاعد، وبذلك حصد تحالف الهند المعارض 43 مقعداً. هناك مقعدان لحزب راشتريا لوك دال، حليف حزب الشعب، ومقعدان للأحزاب الأخرى.

أثبت حزب المؤتمر مرونته السياسية بعد التقدم المفاجئ والنوعي الذي حقّقه وأوقف التساؤلات بشأن مستقبله في النظام السياسي الهندي

تقدّم نوعي

بعد أن أدّى رئيس الوزراء مودي اليمين الدستورية؛ طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، في رسالة لها، الحكومة الجديدة بـ"إلغاء القوانين والسياسات التي تميز ضدّ الأقليات الدينية، وغيرها من الفئات السكّانية الضعيفة، وإنهاء حملة القمع ضدّ المجتمع المدني ووسائل الإعلام". كما دعت المنظّمة إلى اتخاذ "خطوات ملموسة لحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية". وجاءت رسالة المنظّمة، بعد أن أدّى أعضاء الحكومة الجديدة (71 عضواً) اليمين الدستورية، ولم يكن بينهم مسلم واحد. وبعدم حصول حزب الشعب على 400 مقعد التي كان يطمح إليها في الانتخابات الهندية، ما كان سيسهّل عليه سنّ القوانين وتمريرها عبر مجلس النوّاب وإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لخدمة بقاء الحزب الحاكم في السلطة، يمكن القول إنّ المساحة البرلمانية التي كانت متاحة في السابق لحزب الشعب تراجعت.
أثبت حزب المؤتمر الوطني الهندي مرونته السياسية، بعد التقدم المفاجئ والنوعي الذي حقّقه، وأوقف، ربّما، بذلك التساؤلات التي دارت في السنوات الأخيرة حول مستقبله في النظام السياسي الهندي، نتيجة تراجع نفوذه السياسي والبرلماني. وبتقدّم برلماني مع قيادة راهول غاندي المعارضة في مجلس النوّاب، بذلك سيواجه مودي وحزبه تحدّياً في كيفية التعامل مع شخصية راهول السياسية، وهو سليل عائلة غاندي المرموقة؛ إذ كان والد راهول، راجيف غاندي، وجدّته أنديرا غاندي، وجدّه الأكبر جواهر لال نهرو، رؤساء وزراء الهند. ولطالما قاد راهول حزبه في نهج معارض ضدّ حزب الشعب برئاسة مودي. قد تؤدّي نتائج الانتخابات البرلمانية 2024 إلى تعطيل هدف حزب الشعب الهندي للبقاء في السلطة في المدى الطويل، ومن ثمّ تحويل الهند إلى دولة هندوسية بعد تغيير دستور البلاد. وقال راهول غاندي، في مؤتمر صحافي في نيودلهي، بعد إعلان نتائج الانتخابات الهندية في اليوم نفسه، وهو يرفع نسخة من الدستور "كانت المعركة هي إنقاذ الدستور… لقد قام الفقراء بمهمّة إنقاذ الدستور. هذا الدستور هو صوت البلاد… وكنّا على يقين من أنّ مواطني الهند سيبذلون محاولات لحمايته، وأودّ أن أشكر الجميع".