عملية أربعين شارل ديغول: المقاومة ترد
كالعادة، تكذب إسرائيل، وتصدُق المقاومة، إذ تتجمّع كلُّ الشواهد المنطقية والميدانية حول حقيقةٍ ناصعة: إسرائيل تلقت ضربة موجعة من الجنوب اللبناني، لا تصلح قبّة الأكاذيب الحديدية لنفي حدوثها، ولا تكفي نكتة "الاستباقية" لتغيير الواقع الذي يقول إنّ المقاومة اللبنانية ابتدأت الفعل وتركت العدو يتخبّط في ردّة الفعل.
تكلّم حسن نصر الله بلهجةِ الواثق من نجاح الردِّ الأولي في تحقيق أهدافه، ولم يغلق الباب أمام مراحل أخرى في عمليّة الردِّ الشامل، المشروع، على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف ضاحية بيروت الجنوبية.
وبعيدًاً عن التوظيف الطائفي لهذا الردّ الواجب، فإنّ ما جرى فجر الأمس كان بحقٍّ ممّا يفخر به جمهور المقاومة، ليس في لبنان فقط، وإنّما في كلِّ مكانٍ بالعالم، إذ تتحقّق هنا قاعدة لا عدوان بغير انتقام، ومن ثم ليس أمام المعتدي سوى أن يدرك أنّه مضى الزمان الذي كان يعربد فيه بالمنطقة ثم ينام قرير العين محميًا بالأساطيل الأميركية.
تزامنُ الهجوم بالصواريخ والمسيّرات مع ذكرى أربعينية الحسين، رضي الله عنه، جعل كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بالأمس، تتسم بنفسٍ طائفي إلى حدِّ التركيز في فقراتٍ عديدة منها على المنطلق العقدي الطائفي للعملية، ومع التسليم بأنّ ذلك لا يخدش جوهرها المقاوم إلّا أنّ الاستغراق في الطائفيّة سيفتح بابًا للمتربّصين بمشروع المقاومة في دهاليز مذهبيّة أيضًا، لكي يتركوا الموضوع الأساس، ويثيروا الزوابع الطائفيّة، في لحظةٍ تتطلّب من كلِّ المقاومين إظهار الوجه الحقيقي للمقاومة، بوصفها عملًا وطنيًا وقوميًا، متجاوزًا الاختلافات الطائفيّة والمذهبيّة.
يأتي ردُّ المقاومة على الاحتلال الصهيوني في لحظةٍ يبدو فيها ضمير العالم مصابًا بالعطب والعمى، إلى الحدِّ الذي لا يرى فيه فعل العدوان الصهيوني، أو يغضّ الطرف عنه، بينما يرى في ردّة فعل الطرف المُعتدى عليه عملًا غير مقبول وخطرًا على السلم العالمي، كما تفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها وأتباعها الإقليميون، وكما تفعل فرنسا عاصمة النفاق العالمي.
تستنكرُ فرنسا فعل المقاومة العربيّة في اليوم ذاته الذي تحتفل فيه بذكرى المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي قبل الحرب العالمية الثانية، وهنا يتجلّى عمى الضمير وعطبه، حين يرى في الوجود العسكري لألمانيا النازيّة احتلالًا يستوجب المقاومة بكلِّ الأسلحة، بينما يرى في الاحتلال الصهيوني لفلسطين وعدوانه على دول المنطقة عملًا مشروعًا وحقًا قانونيًا.
في تغطيتها الموسّعة لذكرى مرور 80 عامًا على معركة المقاومة الفرنسيّة ضدَّ الاحتلال الألماني، تقول إذاعة مونت كارلو الفرنسية: "دون انتظار وصول الحلفاء انتفض الباريسيون ضد المحتلين الألمان في 25 أغسطس 1944، وبعد أسبوع مجنون من الإضرابات والمتاريس وقتال الشوارع، تم تحرير باريس، وتُنظّم مراسم كل عام لتكريم الضحايا الذين بذلوا أرواحهم لتحرير العاصمة بعد أربع سنوات من الاحتلال الألماني".
وتمضي الإذاعة: "أدى تحرير باريس من الأغلال العسكرية النازية في 26 أغسطس/ آب 1944، بعد أن أمضت 1500 يوم تحت الحكم الألماني، إلى نزول الجنرال ديغول في شارع الشانزليزيه في نهاية معركة التحرير".
وتضيف: "وكل عام يستذكر الفرنسيون القائد بوشيه ورفاقه الستة الذين أُطلقت النار عليهم في 22 أغسطس 1944 في الساعة 4:30 مساءً، وتوضع أكاليل الزهور تكريمًا لموظّفي الخدمة المدنية والمسؤولين المنتخبين في مدينة باريس الذين ماتوا من أجل فرنسا، كما وتحيي باريس كذلك ذكرى المقاتلين الأجانب، وخاصة الإسبان، أول من دخلوا العاصمة المحتلة في 24 أغسطس 1944".
احذف من النص السابق كلمة فرنسا وضع مكانها فلسطين، واستبدل الجنرال ديغول باسم البطل يحيى السنوار، وضع مكان الجنرال بوشيه اسم المجاهد محمد الضيف، واحذف المقاتلين الإسبان الذين ساعدوا فرنسا لتتحرّر وضع مكانهم مقاومي حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي باليمن.
وبعد ذلك اطلب من خارجية فرنسا وإعلامها التعليق على هذه الصيغة، ستجد الوصف الوحيد لكلِّ هذه المقاومات العربية الباسلة هو الإرهاب.
إنّهم منافقون سيئون لكن الأسوأ من نفاقهم المنحاز للصهاينة أن تتطابق وتتشارك معه رؤى عربيّة رسميّة حيال قضية الصراع العربي الإسرائيلي.