عقد على حزب لبيد .. أي وسط؟
صادفت في الشهر الفائت (يناير/ كانون الثاني) ذكرى مرور عقدٍ على تأسيس حزب "يوجد مستقبل" الإسرائيلي، بزعامة وزير الخارجية الحالي يئير لبيد، الإعلامي السابق. ولأول مرة خاض هذا الحزب الانتخابات العامة للكنيست الـ19 التي أجريت يوم 22/1/2013 وفاز فيها بـ19 مقعدًا، واعتبر فوزه بمثابة مؤشّر لـ"عودة إسرائيل إلى الوسط"، وفق تعبير جلّ التحليلات.
ما الذي اتسم به حزب الوسط هذا، بصفته، منذ ذلك الحين، أحدث طبعة من هذه الأحزاب إسرائيليًا؟ طوال أول معركة انتخابية، حرص لبيد على أن يؤكد ابتعاده عن اليسار، وصرّح عشرات المرات بأنه ليس يساريًا. وفور نشر النتائج شبه النهائية لتلك الانتخابات، بادر إلى إعلان رفضه تشكيل "كتلة مانعة" في وجه حكومة يمينية جديدة يترأسها بنيامين نتنياهو، قائلًا: "لن أشارك في كتلة تضم حنين زعبي"! (النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي). واعترف مرشّحو حزبه بأن جزءًا أساسيًا ممن اقترعوا لهم هم من أنصار اليمين، ومن الذين يراعون الشعائر الدينية وحتى من المتدينين. وكان المرشح الثاني في قائمة الحزب هو الحاخام شاي بيرون، خرّيج "مركاز هراف"، وهي مدرسة دينية تابعة لحركة غوش إيمونيم الدينية الصهيونية الاستيطانية. وركّزت حملة الحزب الانتخابية على جدول أعمال متعلق بتحسين حياة سكان إسرائيل. واحتل المجال الاقتصادي - الاجتماعي مركز الصدارة في البرنامج الذي خاض "يوجد مستقبل" الانتخابات على أساسه، وحظي بحصّة الأسد منه.
أما البرنامج السياسي - الأمني الذي جاء في مرتبة متأخرة، فقد بدأ بالعبارات التالية: "إننا نؤمن بأن إسرائيل أقيمت بصفتها دولة قومية للشعب اليهودي، وينبغي لها أن تبقى دولة ذات أغلبية يهودية، وذات حدود قابلة للحماية". وأضاف: "علينا أن نسعى إلى العودة إلى مائدة المفاوضات، انطلاقًا من نيّة التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وفق مبدأ دولتين للشعبين، والذي ستبقى في إطاره كتل المستوطنات اليهودية الكبرى [في أراضي الضفة الغربية] ضمن حدود دولة إسرائيل. ونؤمن بأن لإسرائيل الحق الكامل في العمل من أجل أمنها وضد الإرهاب، بكل الوسائل ومن دون كوابح، وبأن الدولة الفلسطينية ينبغي أن تكون منزوعة السلاح"!
وبرأي هذا الحزب، التحدّيات الخارجية الماثلة أمام إسرائيل عديدة: الخطر النووي الإيراني، وصعود الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم في مصر ودول أخرى في أعقاب الهزّة التي اجتاحت العالم العربي والحرب الأهلية المتواصلة في سورية، والإرهاب الإلكتروني، بالإضافة إلى الإرهاب الإسلامي وصعود حركة حماس في غزة، وحملة نزع الشرعية المُرعبة التي تُشَن ضد إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة مما وُصف بأنه "تحالف دنس" يضم أكاديميين [من إسرائيل] يخونون دورهم الفكري الثقافي، وحركات راديكالية من اليسار، ومعادين للسامية من الطراز القديم والرديء، وهؤلاء جميعًا يحظون بتمويل من عائدات النفط الإسلامي. كما شدّد على أنه ليس شريكًا في "حملة الاتهام الذاتي" التي يشنّها جزء من الجمهور الإسرائيلي واليهودي في مسألة السلام، وعلى أن الفلسطينيين "لم يضيّعوا إطلاقا أي فرصة لتضييع الفرص" وردّوا المرة تلو الأخرى، يد إسرائيل الممدودة إلى السلام!
منذ تلك الانتخابات قبل نحو عقد، شأن ما كانت الحال عليه قبل ذلك أيضًا، يبدو الوسط في إسرائيل أحسن وصفةٍ مطلوبة لتجاوز واقع حكم اليمين. وإذا ما شئنا اختصار المواصفات في كل ما يرتبط بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن حزب لبيد يعيد إنتاج تجربة حزب وسط آخر في إسرائيل، هو حزب كاديما، سيما في ظل رئاسة إيهود أولمرت رئيس الحكومة السابق له، حيث تمثّل أقصى ما فعله في مجرّد التزام بشأن إنهاء الصراع، وقبول مبدأ 1967 أساسا للتسوية. ولكن على الرغم من أنه لم يُخل مستوطنة واحدة، ولم ينسحب حتى من كومة تراب واحدة، فقد تمتع بـ"اعتماد عالمي"، أتاح له إمكان أن يخوض حربين (على لبنان وقطاع غزة)، وأن ينقل عبء المسؤولية عن عدم تحقيق السلام من إسرائيل إلى الفلسطينيين!