عائشة نور ورفيقاتها
يومين، بعد قتل جنديٍّ إسرائيليٍّ الأميركية التركية عائشة نور إزغي بيغي، في أثناء مشاركتها في مظاهرة احتجاجٍ في بلدة بيتا ضد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، قالت المخرجة الأميركية (اليهودية) سارة فريدلاند، في أثناء تسلّمها جائزةً في مهرجان البندقية السينمائي، إنها تقبل جائزتَها في اليوم 336 على الإبادة في غزّة، والعام 76 على الاحتلال، وأعلنت أنها "تتضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرّر". ليس بين المرأتين أيّ صلة، غير أن تلك الشابّة (26 عاما) دارسة علم النفس، في انتسابها إلى حركة التضامن الدولية (ISM)، ومشاركاتها في غير نشاطٍ احتجاجيٍّ سلميٍّ داعمٍ لفلسطين وشعبها، وكذا مخرجة فيلم "اللمسة المألوفة" الفائز في مهرجان السينما العالمي، إنما تلبّيان ما نادى به البرتغالي النبيل، حائز جائزة نوبل للآداب، الراحل في 2010، جوزيه ساراماغو، إلى وجوب قرْع الأجراس في العالم بأسره للقول إن ما يحدُث في الأراضي الفلسطينية المحتلّة من جرائم ضد الإنسانية يجب أن تتوقّف. قال هذا في زيارته فلسطين على مبعدة 22 عاماً من جرائم الإبادة المستمرّة منذ 11 شهرا في غزّة. وعندما تتظاهر عائشة نور، في بلدة فلسطينية، ضد جريمة الاستيطان النشط، فإنها، تُساهم في قرْع هذا الجرس، وتعتنقُ ما قالته زميلتُها في حركة التضامن، الإيطالية جوليا باليكو، إن من العار أن يُغلقَ أحدٌ عينَيه بينما ترتكب إسرائيل جرائمها ضد الفلسطينيين. قالت هذا قبل أزيد من عقدَين، وقد واصلت زياراتها التضامنية مع فلسطين، بعد أولاها التي كانت فيها رفيقة الأميركية راشيل كوري، غير المنسيِّ أن مجنّداً في جيش الاحتلال حطّم، بجرّافةٍ كان يقودها، جمجمتها وأطرافَها، في أثناء محاولتها، في شتاء 2003، منع هدم منزل أسرة فلسطينية في مخيم رفح، أقامت فيه شهرَين، وغير منسي قول خطيبها السويدي إنها كانت تشعرُ بعقدة ذنب، لأن بلادَها تدعم دولة إرهابية تقتل المدنيين وتُرهب شعباً أعزل.
تأخذُنا جريمة قتل عائشة نور إلى عناقيد من ضوْءٍ شعّ من رفيقاتٍ لهذه الشابة النبيلة، وهنّ يُناصرن فلسطين وشعبَها، ومن غير اللائق أن يُنسى كثيرٌ صنعنه، منه أن الناشطة البريطانية آنا ويكس، والتي زارت فلسطين مرّاتٍ للتظاهر ضد جدار الضمّ العنصري والاستيطان، تبرّعت بإحدى كليتيها لطفلةٍ فلسطينيةٍ كانت تشكو من الفشل الكلوي. اعتقل الاحتلال تلك المرأة الجسور، وأبعدَها، لكنها عادت مع خطيبها الذي تزوّجها في حفل فلسطيني، بعد نجاح عملية التبرّع بالكِلية. ومنه أيضا أن الأميركية إيميلي واشمان أحبّها أهالي دير الغصون (قرب طولكرم)، عندما كانت تتضامن معهم بتظاهراتٍ ضد الجدار العنصري الذي صادر أراضي منهم، وتالياً عادت إليهم من بلادها وتزوّجت شابّاً منهم.
لا يُنسى مشروع "قارب النساء إلى غزّة" الذي أعلنه في 2016 تحالف أسطول الحرية، وساندتْه 12 منظّمة نسوية في العالم، وسارت ضمنَه سفينتان، على متْنهما 15 ناشطة ومناضلة من دول عدّة (بينهنّ عربيات)، باتجاه غزّة المحاصرة، كان منهن حائزة جائزة نوبل للسلام، الأيرلندية ميريد ماغواير، الستّينية في حينه، والمسرحية الأميركية نعومي والاس، والبرلمانية النيوزيلندية ماراما ديفيدسون. ... وعندما يتعرّض الشعب الفلسطيني في غزّة التي ناصرتها أولئك النسوة من رفيقات عائشة نور في مسار الدعم السلمي لكفاح الشعب الفلسطيني ضد الحصار والاستيطان، لن يصيرَ في وُسعنا أن نحصي أسماءً بلا عدد لنساءٍ هتفت حناجرُهن من أجل وقف الإبادة، من أجل إنقاذ نساء غزّة وأطفالها وعموم ناسها، في جامعات وشوارع عديدة، وأمام سفاراتٍ وقنصليّات. وكذا في تظاهراتٍ ومناسباتٍ فنيةٍ وثقافية، حضرت فيها الكوفية الفلسطينية مع نداءاتٍ طالبَت بوقف الجريمة الإسرائيلية اليومية في غزّة. ومن ذلك هتاف السنغالية الفرنسية، ماتي ديوب، إنها مع فلسطين وغزّة، وهي تتسلّم جائزةً لها في مهرجان برلين السينمائي في مارس/ آذار الماضي. كما الممثلة الإيطالية، جازمين ترينكا، التي هاجمت، أمام حضور المهرجان وضيوفه ونجومه، ما ترتكبُه إسرائيل هناك في غزّة، وهو إبادةٌ جماعية، على ما أحسنت تسميتَه الفيلسوفة الأميركية جوديت باتلر.
ألفُ رحمة ونور على روح عائشة نور. وألفُ تحيةٍ لنسوة في العالم من قماشتها ينتسبْن إلى فلسطين أفقاً إنسانياً وأخلاقياً.