طالبان جديدة؟
منذ الأسبوع الماضي، دخلت أفغانستان عهداً جديداً، قديماً نوعاً ما، مع استعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد، بعد عشرين عاماً من إنهاء حكمها عن طريق الحملة العسكرية الأميركية التي أعقبت اعتداءات "11 سبتمبر". لكن هل ما زالت "طالبان" على حالها قبل عشرين عاماً، أم أن هذه السنوات غيّرت الحركة ودفعتها إلى مزيد من البراغماتية في التعاطي مع مسائل الحكم؟ وخصوصاً أن تجربتها السابقة في السلطة بين عامي 1996 و2001 كانت حافلة بالفشل والحصار والعقوبات، وصولاً إلى استجرارها الاحتلال الأميركي بعد رفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.
المؤشّرات الأولى الظاهرة في التصريحات العلنية لمسؤولي حركة طالبان المصدّرين للتعاطي مع الإعلام، الغربي خصوصاً، توحي بأن هناك نسخة محدثة من الحركة الإسلامية، تضع في اعتباراتها العلاقات الدولية، السياسية والاقتصادية، وتأخذ في الحسبان القلق الغربي من السياسات الداخلية للحركة الإسلامية، والنظام الذي ستقيمه بعد انهيار ما كان من المفترض أن يكون "التنظيم المدني" للدولة الأفغانية الذي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها بناءه على مدى عشرين عاماً، وفشلت.
وحرص المتحدّث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، في أول مؤتمر صحافي لطالبان في كابول، على التأكيد على احترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية. وقال: "ستكون المرأة نشطة للغاية في مجتمعنا"، وسيسمح لها بالعمل "في إطار قوانيننا الإسلامية"، ما يعني عملياً الالتزام بالزي الشرعي وفق رؤية الحركة، والتي تغيرت أيضاً بحسب التصريحات، إذ بات الحجاب كافياً لاعتباره زياً إسلامياً. هذا ما أوضحه المتحدث باسم المكتب السياسي للجماعة في الدوحة، سهيل شاهين، لشبكة سكاي نيوز البريطانية، حين قال إن "البرقع ليس الحجاب الوحيد الذي (يمكن) الالتزام به، فهناك أنواع مختلفة من الحجاب". مثل هذه المواقف، والتي يمكن اعتبارها بسيطة إلى حد ما، توضح أن هناك تحولاً في موقف الحركة، والتي كانت لا ترى، خلال الفترة السابقة لحكمها في أفغانستان، وحتى في مناطق سيطرتها خلال محاربة القوات الأميركية والأفغانية، بديلاً عن البرقع كزي شرعي للنساء.
هذه المعطيات ليست وحدها التي تؤشّر إلى أن "طالبان" الحالية ليست تماماً كما تلك السابقة، فحتى التصريحات السياسية لمسؤولي الحركة توحي بأن التوجّه هو إلى الانفتاح على الغرب وعلى المحيط بشكل أساسي، وهي بدأت بإطلاق الإشارات التي تمهد لاعتراف الدول الغربية بحكمها على البلاد، فالنظرة إلى الدول الغربية لم تعد كما كانت في السابق، وخصوصاً لجهة "التكفير" الذي كان أحد مناهج تعامل الحركة في الداخل والخارج، بل باتت المصالح اليوم هي التي تحكم العلاقة المرتقبة بين "طالبان" ودول العالم. وعلى هذا الأساس، كان حديث المتحدّث باسم الحركة عن الرغبة بعلاقات "دبلوماسية وتجارية جيدة مع جميع الدول".
مثل هذا التحول ليس وليد الساعة، بل بدأ منذ استشعرت "طالبان" اهتماماً غربياً، أميركياً بالأساس، في مهادنتها، والتمهيد لعودتها إلى السلطة بشكل من الأشكال، فكانت المفاوضات الأميركية الطالبانية التي استضافتها الدوحة، والتي أنتجت اتفاقاً في فبراير/ شباط من عام 2020، كان يمهد لإدماج "طالبان" في الحكومة الأفغانية، غير أن تحوّلات ميدانية لاحقة، لم يُعتقد أن الولايات المتحدة كانت بعيدة عنها، أدّت إلى المشهد النهائي لدخول مقاتلي الحركة إلى العاصمة كابول.
رغم الإشارات الطالبانية هذه، إلا أن الأيام القليلة الماضية ليست كافيةً للحكم على حقيقة التغيير الذي حدث في "طالبان"، وما إذا كانت البراغماتية السياسية ستنعكس فعلياً على الممارسات الميدانية، وهو ما تنتظره الدول الغربية لتقرير ما إذا كانت "طالبان" هذه جديدة فعليا، أم أنها نسخةٌ مموّهة عن تلك السابقة.