ضفادع السيسي من الثورة إلى الإصلاح

16 ديسمبر 2014
+ الخط -

بينما الجميع منشغلون بالبحث عن حالة مصالحة ضائعة بين القوى المصرية المعبرة عن ثورة يناير، يظهر حمدين صباحي، ظل السيسي الباهت، في هيئة قاطع طريق محترف، لينسف أي احتمالات ممكنة، أو فرص واعدة، لإعادة اصطفاف على أرضية يناير.
يقول صباحي، وهو بالمناسبة، أو من باب التكرار الممل، أول من دعا إلى كيمياء جديدة للحشد، تقوم على أن الثوار والفلول يد واحدة ضد محمد مرسي، إن رسالته في الحياة هي الحيلولة دون فشل جنرال الانقلاب، وواجبه الوطني والإنساني هو منع سقوط نظام يونيو/حزيران.
ومن ثم، لم يكن مفاجئاً أنه، في اللحظة التي تلت تبرئة مبارك (العائلة والنظام)، ومع ظهور نوبات استفاقة من قوى وحركات ثورية، راحت تبحث عن حلم ضائع، يطل حمدين صباحي، وفي يده كمية هائلة من التصريحات الرغوية المانعة أي توحد، ليلعب دور رجل الإطفاء الذي استدعته دولة العسكر، للتعامل مع غضب اشتعل في الصدور، حزناً على دماء الشهداء التي ذهبت هدرا.
وإذا كان الدكتور محمد البرادعي قد سبق صباحي في الدعوة للتحالف مع رموز حزب مبارك، تحضيرا لانقلاب الثلاثين من يونيو، إلا أن الأول كان الأسرع في نفض يديه من نظام العسكر، عقب مجزرة رابعة، فالثابت أن حزب الدستور الذي كان من المفترض أن يكون إطارا جامعاً لخلصاء يناير فقط كان قد أعلن، بلا مواربة، عن تبني مصالحة وطنية مع رموز الحزب الوطني. وحسب التصريحات المنقولة عن البرادعي في مؤتمر بأسوان، عقد في الأسبوع الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ووفقا لما نشرته صحيفة "التحرير"، برئاسة إبراهيم عيسى، فإن حزب الدستور، وعلى لسان الدكتور أحمد البرعي، نائب الرئيس "يعقد اجتماعا الثلاثاء لمناقشة المصالحة الوطنية التي دعا لها الدكتور البرادعي في أسوان، والتي تهدف إلى لم شمل كل القوى والتيارات السياسية، بمن فيهم أعضاء الحزب الوطني المنحل، منوها بأن اللقاء سيناقش تلك الأمور التي تتعلق بالتحالف ورؤية الحزب لقضية نواب الوطني السابقين".
والآن، جاء الدور على عبد المنعم أبو الفتوح الذي اعتبره مريدوه، في وقت ما قبل ثورة يناير، المؤسس الثاني لجماعة الإخوان، بعد حسن البنا، حين كانت كل القيادات في السجن.. جاء الدور على أبو الفتوح، ليقدم فاصلا آخر من التماهي مع نظام انقلاب عبد الفتاح السيسي، عبر ما سميت مبادرة حزب مصر القوية التي ظهرت قبل يومين.
وتكشف سطور المبادرة اللطيفة أن أبو الفتوح يعلن انسحابه من الحالة الثورية، طالباً مساحة صغيرة في الفناء الخلفي للنظام العسكري، يلعب فيها دور الإصلاحي المخلص لما جاءت به ثورة الثلاثين من يونيو المعسكرة المضادة.
واللافت في مبادرة أبو الفتوح أنها تخلو، تماماً، من أي ملامح لمعارضة جذرية مع رأس نظام، يعترف أبو الفتوح بأنه استولى على السلطة، من خلال مسرحية انتخابات عبثية، فضلاً عن أنها تتبنى خطاب السيسي حرفياً، فيما يخص شماعة الحرب على الإرهاب في سيناء، ناهيك عن أنها لا تنطق ببنت شفة عن مهرجان الإعدامات الجماعية الذي يقيمه القضاء المصري، وتمر بخفة متناهية على قضية أكثر من أربعين ألف معتقل، لتهمس، في حياء وحنان بالغين، بنصيحة أخوية لإصلاح وزارة الداخلية.
وإجمالاً، تذكرك مبادرة أبو الفتوح بتلك النصائح التي كانت تقدمها، في وجل، إلى حسني مبارك، تلك الطبقة من السياسيين الذين كان يطلق عليهم "عقلاء الحزب الحمائم"، لكبح جماح عربة جمال مبارك الطائشة، والتي تحمل صقور أمانة السياسات، وتنطلق معربدة في شوارع السياسة المصرية.
ويجدر، هنا، التوقف عند توقيت ظهور مبادرة أبو الفتوح لإصلاح سلطة جاءت ركضاً فوق بحيرات من الدماء والأشلاء، إذ ظهرت هذه المبادرة عقب حديث لكاردينال السلطة السيسية، محمد حسنين هيكل، مع ذراع إعلامية سيسية، إضافة إلى أن سطور المبادرة تكاد تكون شروحات على متن حديث هيكل.
والشاهد في كل ذلك أن سلطة الانقلاب تواجه الغرق، بتعبير البرادعي في محاضرة أميركية الشهر الماضي، وهاهم رجال الضفادع ممن كانوا في عداد الأيقونات الثورية يهرعون للإنقاذ، غير أنهم يحاولون السباحة في مستنقع عطن للأسف.

 


 

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة