صورة الانقسام الفلسطيني

09 يوليو 2022
+ الخط -

منذ أشهر، يتحدّث المسؤولون في الجزائر عن مساعٍ تقوم بها بلادهم لإعادة اللحمة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، أو بين ما يمكن اعتبارهما السلطتين الحاكمتين في فلسطين المحتلة المقسّمة. الحرص الجزائري على المصالحة نابع من الارتباط الشعبي الجزائري الكبير، وربما المبالغ فيه، بكل ما هو فلسطيني، ويبدو أن السلطات تحاول تقديم مثل هذه "المصالحة" إنجازا للشعب الجزائري غير الراضي عن نظام الحكم القائم ما بعد الثورة.

ورغم الأحاديث الكثيرة عن استضافة الجزائر المصالحة، والتي وصلت إلى حد إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في يناير/ كانون الثاني الماضي أن "مشوار المصالحة الفلسطينية انطلق"، إلا أن شيئاً لم يحصل في هذا المجال، بل زادت العلاقات الفلسطينية تعقيداً، وتعمّق الانقسام وتعطّلت كل محاولات رأب الصدع، والتي نشطت في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلا أنها أيضاً لم تصل إلى أي نتيجة.

هذه المعطيات لم تقنع الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبّون، بأن المصالحة الفلسطينية أعقد من أن تحلها الجزائر وحدها، بغض النظر عن مدى صدق النيات تجاه القضية، خصوصاً في ظل ارتباط الخلافات بأبعاد أيديولوجية وحسابات سياسية وتحالفات غير متناسقة. الرئيس الجزائري استغل إحياء بلاده الذكرى الستين لاستقلالها ليوجّه الدعوة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل، هنية لحضور الاحتفالات، والتي أعقبتها لقاءات مع الضيوف الكثيرين الذين شاركوا الجزائر عيد استقلالها.

وخلال هذه اللقاءات، نجح تبّون في جمع عبّاس وهنيّة في صورة واحدة، ظنّ أنها ستكون فاتحة لإنهاء الخلافات، ومعبّرة عن "انطلاق قطار المصالحة" الذي أعلن عنه لعمامرة قبل أكثر من ستة شهور. غير أن الأمر جاء معاكساً لذلك كلياً، فكان المشهد هو "صورة للانقسام الفلسطيني"، بدل أن يكون باباً للمصالحة. المتمعّن في المشهد المصوّر لجمع الرجلين، وقراءة لغة الجسد في أثناء هذه "المصافحة التاريخية"، يمكن ببساطة أن يرى عملية الإكراه على هذا الفعل من عبّاس وهنيّة على حد سواء. وإذا كان هنية ابتسم قليلاً للكاميرا، إلا أن أبو مازن حرص على التجهم، في إشارة إلى عدم الرضى عما يحدُث. الأمر ربما الذي تنبه له تبّون، ما دفعه إلى حضن الرجلين لمنعهما من التملّص من الصورة، وهو أمر أيضاً كان واضحاً في المشهد المصوّر.

ولم تمض ساعات على "الإنجاز الجزائري"، حتى خرج مسؤولون من الحركتين ليتبرّأوا من اللقاء والصورة، ويقللوا من أهميتها، وحتى أن تكون حصلت في أثناء لقاء جمع الطرفين مع تبّون. فبحسب مسؤولين من "حماس"، جاءت الصورة بعد نهاية اجتماع الرئيس الجزائري مع نظيره الفلسطيني، والذي سيليه اجتماع آخر بين تبّون ووفد "فلسطين الأخرى"، أي هنيّة والشخصيات المرافقة له. حتى أن الإعلام الفلسطيني التابع للطرفين لم يحتف باللقاء على الطريقة الجزائرية التي وصفته بـ"التاريخي". فوكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا) اكتفت بذكر اللقاء، وأدرجت اسم هنيّة في ذيل من شاركوا فيه، وكأنه عضو في الوفد الفلسطيني الرسمي. الأمر نفسه بالنسبة إلى وسائل الإعلام المحسوبة على "حماس"، والتي اكتفت بنشر خبر مقتضب عن "اللقاء الأخوي" الذي جمع عبّاس وهنيّة.

وبغض النظر عن المعلومات عن ضغطٍ من تبّون على الرئيس عبّاس لمصافحة هنيّة، وهو الذي كان رافضاً ذلك، فإن ما خرج للمشاهدين عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، لم يكن مشهداً في صالح قضية إنهاء المصالحة، بل ربما زادها تعقيداً، وخصوصاً أن عملية التبرؤ من اللقاء، والتأكيد على أنه لا يعني شيئاً، تؤكّد أن الفجوة بين الطرفين لا تزال كبيرة، ولا يمكن لصورةٍ عابرةٍ أن تردمها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".