صراع المكوّن العسكري مع نفسه
[1]
عقب ختام المؤتمر السنوي للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في نوفمبر/ تشرين الثاني، وجّه صحافي اتهاماً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بالفشل في إيقاف حرب السودان. أزعج الاتهام غوتيريس، فقال بشكل صريح إن جنرالات السودان عرقلوا الانتقال الديمقراطي في البلاد، وأطاحوا الحكومة المدنية في انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول (2021)، ثم ضحّوا بمصالح شعبهم من أجل صراع على السلطة. ورفض الأمين العام تحميل مسؤولية استمرار الحرب للمنظمة الدولية أو الاتحاد الأفريقي، ووصفها بشكلها الصحيح، صراع جنرالات على السلطة، مضحّين لأجل ذلك بمصالح شعبهم!
[2]
منذ اللحظة الأولى لصعود المكوّن العسكري السوداني إلى مسرح الأحداث السياسية، مع تنحية الرئيس السابق عمر البشير، بدا واضحاً أنه لا نية لديه لترك الحكم، فبدأ سلسلة تفاوض طويلة مع القوى المدنية، انتهت بعدم التنازل عن السلطة رغم مطالب الشارع، وكأنما مذبحة فض الاعتصامات في عدة مدن سودانية لم تحدُث. تشبث المكوّن العسكري بالسلطة، وقبل تحت الضغط بعملية شراكة لم تكن لديه نيّة الوفاء بها.
سريعاً، بدأ الجنرالان، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، الهجوم على القوى المدنية. بل تعجب الفريق أول حميدتي، في أحد خطاباته، من صعود قوى الحرية والتغيير على حساب قوى سياسية أخرى يقول إنها هي التي كانت تعمل من أجل "التغيير". ولمّا سمى تلك القوى كانت الأحزاب التي دعمت نظام البشير وأيّدته حتى لحظة سقوطه! بينما لم يسمع قائد "الدعم السريع"، حسب زعمه، عن سائر السياسيين الذين ظلّوا معارضين لنظام البشير 30 عاماً. المفارقة أن القوى التي دعمت البشير، واعتبرها قائد المليشيا وقتها صاحبة "التغيير" الذي سرقته "الحرية والتغيير"، وحاول حشدها في تفاوضٍ فاشلٍ مع بعثة الأمم المتحدة ومبعوث الاتحاد الأفريقي في فندق روتانا، كما موّل اعتصامها أمام القصر الجمهوري لإطاحة حكومة عبد الله حمدوك، تقف هذه القوى ضده اليوم وفي صفّ الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
[3]
بعد 11 شهراً من الحرب، تبدو الصورة واضحة. لا كما تحاول تنسيقيّة القوى الديمقراطية والمدنية (تقدّم) برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك أن تصوّرها وسوسة الإسلاميين وفلول النظام السابق التي جرّت الجنراليْن إلى فخّ الحرب! ولا كما يحاول الجيش تصويرها أنها معركة الكرامة ضد متمرّد مغامر، مدعوم من الخارج! ولا هي معركة استعادة الديمقراطية كما يحاول "الدعم السريع" أن يقنع الناس بلا جدوى.
إنها حربٌ على السلطة بين حلفاء عسكريين ظلّوا يعملون بتصميم لإيقاف عملية الانتقال الديمقراطي، حتى وصلوا إلى مرحلة ما ظنّوه الجائزة الكبرى. لحظة النصر التي يطيح فيها أحدهما الآخر لينفرد بالسلطة.
[4]
ظلّ سؤال من أطلق الرصاصة الأولى صباح السبت 15 إبريل/ نيسان 2023 يتكرّر كل فترة. وينتهي باجابات تمثل مواقف أصحابها من الحرب، فالجيش يزعم أن "الدعم السريع" بادر بتنفيذ انقلاب عسكري، فشل فتحوّل إلى حرب. ويزعم "الدعم السريع" أن الجيش هاجم قواته قبل ساعات من اللقاء المرتقب بين البرهان وحميدتي لنزع فتيل الأزمة. بينما يرى بعض قيادات "تقدّم" أن خلايا إسلامية داخل الجيش والأمن قامت بالهجوم الأول الذي حرّك كرة الثلج، ووضع الحرب وأطرافها في المسار الحالي.
ولا واحدة من هذه الإجابات، إن صحّت، تبرئ الجنرالات من الطمع في كرسي السلطة، لأن ما حدث في 15 إبريل لم ينبُت من فراغ. إنما هو ثمرة ما بدأ في إبريل 2019، ثم تكرّس في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عندما استولى الجنرالان البرهان وحميدتي على السلطة. ما كانت هذه الحرب لتقع لولا طمع المكوّن العسكري في السلطة، وتشبثه بها منذ اللحظة الأولى. وحين استطاع المكوّن العسكري إطاحة المدنيين وزجّهم في المعتقلات، لم يعد له عدوٌّ إلا نفسه، فانقسم على ذاته متحارباً.
[5]
عام من الحرب التي توسّل فيها العالم أجمع لطرفيْها أن يوقفوها. مع التأكيد أن لا منتصر عسكرياً فيها، وأن استمرارها لا يعني إلا مزيداً من الدمار والتشريد. مبادرات ووساطات وإعلانات مبادئ ودعوات. لكن لا شيء. الدمار مستمرّ. والدولة تواصل التحلّل والتفكّك. والمكوّن العسكري يقاتل نفسه.